للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظهرت له في كل واد همّة عالية، وكم رقى جبلا في طلب غدير، حتى خاف غدير الفجر من مطالبه الراقية، وكم شعر بفضله المادح، فلا غرو أن كثر عنه حديث الرواية، يمدح آثار الغمام، وإياه نعني ونشاهد، كل حوض من بناه قد امتلأ، وقال قطني، ونرى مجده الأبي أحق بقول اللهبي [١] : [الرمل]

من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب

[في تذكرة الوداعي]

حدثني القاضي شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله [٢] بدمشق، وقد جرى ذكر الكيمياء والسيمياء، فقال: حدثني والدي قال، حدثني القاضي بهاء الدين إبراهيم بن أبي اليسر التنوخي، قال: بعثني الملك العادل أبو بكر بن أيوب رسولا إلى السلطان علاء الدين صاحب الروم، فبالغ في إكرامي، وأجلسني معه على التخت، فجرى يوما بين يديه ذكر الكيمياء والسيمياء، فقلت أنا: ما لهما صحة، فقال السلطان/ علاء الدين: لا تقل هكذا، فما أحدثك إلا بما جرى لي:

كنت في بعض السنين سائرا فلقيني رجل مغربي في زي الفقراء، فوقف لي وسلم عليّ وقال: خذني إلى عندك أفدك فائدة عظيمة، فغلب على ظني صدقه، فأسكنته معي في هذا المكان، وبالغت في إكرامه، وطلب مني إحضار أصناف عيّنها، أحضرتها له، وشرع في العمل، فعمل لي شيئا كثيرا من الذهب المصري، إلى أن أذهلني، ثم بعد ذلك طلب مني دستورا [٣] في السفر، فامتنعت ضنا به، ورغبة فيه، فلما طال طلبه، وطال منعي، غضبت يوما وكدت أقتله، فجذبت السيف وهممت به، فقال: ولابد، ثم صفق بيديه وطار في الهوى، وخرج من هذا الشباك.

وفيها: كان أبو نصر محمد بن محمد بن يوسف القاشاني الإمام، يثني على أبي القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، ويصفه بالحفظ والاتقان، والورع والديانة، وكثرة السماع، وكان يقول، سمعته يقول: كنت أقرأ الحديث على أبي علي الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن الشافعي بمكة، فجاء الحديث الذي فيه قول


[١] البيت للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، في الدر الفريد ٥/١٥٢.
[٢] شرف الدين: عبد الوهاب بن فضل الله القاضي شرف الدين، عين الملوك والسلاطين القرشي المصري، كان كاتبا أديبا مترسلا، كتب المنسوب الفائق، متع بحواسه لم يفقد منها شيئا، ولم تتغير كتابته، ومات وهو جالس ينفذ البريد إلى بعض النواحي، توفي بدمشق سنة ٧١٧ هـ عن أربع وتسعين سنة، وقد رثاه شهاب الدين محمود، وجمال الدين ابن نباتة. (فوات الوفيات ٢/٤٦، الدرر الكامنة ٢/٤٢٨، النجوم الزاهرة ٩/٢٤٠) .
[٣] الدستور هنا: الرخصة والاستئذان. وما زال هذا المعنى مستعملا في بعض البلاد العربية والإسلامية.

<<  <   >  >>