الاستشهاد، وما إلى ذلك من فنون التأليف، وهذه الكتب لا تقوم على منهج واحد في التبويب والتصنيف، وإذا ما عرضنا لبعض هذه الكتب فسنجد الطبيعة المشتركة لهذا الجنس من التصنيف الذي يميل كلما مر الزمن إلى التنوع والموسوعية، فمنذ منتصف القرن الثالث بدأ هذا الضرب من التأليف، ويمكن أن نتخذ كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) بداية، فهو وإن كان فيه تبويب وتقسيم إلا أن منهجه كان يقوم على فكرة الاختيار والتنويع والاستطراد ودفع السأم بالفكاهة والطرائف والنوادر، لدفع الوهن والملالة عن القارىء أو السامع بعد الدرس الجاد، ويوجه كتابه لعامة الناس ليس لفريق دون آخر، ويبين ابن قتيبة منهجه في الكتاب فيقول:«ولم أر صوابا أن يكون كتابي هذا وقفا على طالب الدنيا دون طالب الآخرة، ولا على خواص الناس دون عوامهم، ولا على ملوكهم دون سوقتهم، فوفّيت كل فريق قسمه، ووفرت عليه سهمه، وأودعته طرفا من محاسن كلام الزهاد في الدنيا وذكر فجائعها والزوال والانتقال ... ولم أخله مع ذلك من نادرة طريفة وفطنة لطيفة، وكلمة معجبة، وأخرى مضحكة،.... لأروّح بذلك عن القارىء من كد الجد، وإتعاب الحق، فان الأذن مجّاجة، وللنفس حمضة» ، ثم يقول:
«وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة، وما روي عن الأشراف والأئمة فيهما، فإذا مرّ بك أيها المتزمت حديث تستخفه أو تستحسنه، أو تعجب منه، أو تضحك له، فاعرف المذهب فيه وما أردنا به»[١] .
ويمكن أن نصنف كتاب البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي (ت ٤٠٠ هـ) في جملة كتب المحاضرات هذه، فهو يسير على نمط كتاب ابن قتيبة، عيون الأخبار، فهو يتضمن ألوانا من المعرفة الأدبية واللغوية والتاريخية والفلسفية والإخبارية، والحكمة والفكاهة والنوادر، وينص التوحيدي على أن كتابه كتاب مختارات ومنوعات. فهو يقول:«ولا عليك أن تستقضي النظر في جميع ما حوى هذا الكتاب، لأنه كبستان يجمع ألوان الزهر، وكبحر يضم أصناف الدرر، وكالدهر يأتي بعجائب العبر» .
ومن هذه المصنفات كتاب زهر الآداب وثمر الألباب، لأبي إسحاق إبراهيم الحصري القيرواني (ت ٤٥٣ هـ) واسم الكتاب يدل على مضمونه، فهو كتاب يشتمل على منتقيات من الشعر والنثر، فيها الطرائف والنوادر، والأخبار والآراء البلاغية والنقدية وما إلى ذلك، يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: «وبعد؛ فهذا كتاب اخترت فيه قطعة كاملة من البلاغات، في الشعر والخبر، والفصول والفقر، مما حسن لفظه ومعناه، واستدل بفحواه على مغزاه، ولم يكن شاردا حوشيا، ولا ساقطا سوقيا، ... وهو كتاب يتصرف الناظر فيه
[١] عيون الأخبار ١/٣٩ ط دار الكتاب العربي بيروت ١٩٩٧.