للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن الحاجب [١] ، ويستوحشها ابن يونس.

عقد مجلس بدار العدل لكشف الظلامة، وطي هذا الجور المنشور بغير علامة، فقلنا له سمّ لنا من شهد على الشهود، فأبى أن يسمّي، وقال قضى الله عليه: قضيت فيهم بمذهبي، وحكمت فيهم بعلمي، فقلنا: يا نائما على السّرى، الجرح لا يقبل إلا مفسّرا، وإن كان لك أن تجرحهم، فليس لك أن تذبحهم وتفضحهم يا قليل الفهم، من يساعدك على هذا الوهم، هذا محرم لم يبحه مبيح، ومحاسن الإسلام تأبى هذا القبيح. قال: إن لم تركنوا إليّ فاستفتوا المالكية في دمشق عليّ، فأخرنا اللوم، وطالعنا كتب القوم، فوجدنا في مشاهير كتبهم نقلا محققا، أن القاضي لا يقضي بعلمه مطلقا، وأنه إذا شهد عنده من يعلم عليه جرحه، رفع الأمر إلى من فوقه، وأبدى له شرحه [٢] ، فكابر وتأوّل، واعتمد على الفجور وعوّل، وزاد في المدافعة، وخوّف بالشر والمرافعة، وأطلق لسانه في/ الأعيان ولم يقيّد، وقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد، ولما بلغ المالكية بدمشق هذه الواقعة المستعظمة، أصغروا قدره عنها، وقالوا: كَبُرَتْ كَلِمَةً

[٣] ، واستحلوا سبّه وشتمه، واستقلوا عقله وعلمه، وكتبوا إليه: أن يا مغلوب، لقد بغّضت مذهب مالك إلى القلوب، وقطعت المذاهب الأربعة عليه بالخطأ، وزالت بهجته عند الناس، وانكشف الغطاء، ثم من المفتين من لامه على ذلك وعنّف، ومنهم من علّق على تقبيح ذلك وصنّف، ثم سئلت بدمشق اليهود والنصارى، وإن كانوا عن الحق حيارى، هل يجوز في دينهم المنسوخ مثل هذا التخجيل، أم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، فأقسموا بالله جهد أيمانهم، إن ذلك لم يكن في أديانهم، وناهيك بخلل تستقبحه كل الملل، فقبح الله من أصبح بسهام الأغراض إلى مصون الأعراض في الرامين، وقال: من أحوج المسلمين إلى سؤال المغضوب عليهم والضالين: [الكامل]

أبرأ إلى الرحمن من بهتانه ... وفجوره وعتوّه المتزايد

من ذا يجيز قضاء قاض جاهل ... بالعلم في هذا الزمان الفاسد


[١] ابن الحاجب: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، فقيه مالكي من كبار العلماء بالعربية، كردي الأصل، ولد في مصر وسكن دمشق ومات بالاسكندرية، له مجموعة تصانيف منها (الكافية) في النحو و (الشافية) في الصرف، و (الأمالي النحوية) و (المقصد الجليل) قصيدة في العروض، وغيرها، توفي سنة ٦٤٦ هـ. (وفيات الأعيان ١/٣١٤، غاية النهاية ١/٥٠٨، مفتاح السعادة ١/١١٧، وخطط مبارك ٨/٦٢) .
[٢] في ب: أبدى له في شرحه. في ط: أبدى شرحه.
[٣] الكهف ٥.

<<  <   >  >>