للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدرس يوم الجمعة، إذ دخل علينا رجل بهيّ المنظر، على ظهره أطمار، فسلم سلام العلماء، وتصدر في صدر المجلس، فقال له الزنجاني: من السيد؟ فقال: رجل سلبه الشيطان، وكان مقصدي هذا الحرم، وأنا رجل من أهل صاغان من طلبة العلم، فقال الزنجاني: سلوه عن مسألة الكافر إذا التجأ إلى الحرم، هل يقتل أم لا؟ فأفتى بأنه لا يقتل، فسئل عن الدليل، فقال: قوله تعالى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ

[١] ، قريء: (ولا تقتلوهم) ، (ولا تقاتلوهم) ، فان قريء: (ولا تقتلوهم) ، فالمسألة نص، وإن قريء: (ولا تقاتلوهم) ، فهو تنبيه، لأنه إذا نهي عن القتال الذي هو أخف من القتل، كان دليلا ظاهرا على النهي عن القتل، فاعترض الزنجاني، فقال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ

[٢] ، فقال له الصاغاني: هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه، فان هذه الآية التي اعترضت بها عامة في الأماكن، والتي احتججت بها خاصة، ولا يجوز لأحد أن يقول: إن العام ينسخ الخاص، فأبهت القاضي الزنجاني، وهذا من بديع الكلام.

بعضهم: [الخفيف]

زعموا أنّني قصير لعمري ... ما تكال الرجال بالقفزان

إنّما المرء باللسان وبالقل ... ب وهذا قلبي وهذا لساني

آخر: [المنسرح]

في كل يوم يريك فائدة ... أحسن منها ما تستفيد غدا

ومن تكن هذه خلائقه ... فأنت في نعمة أبدا [٣]

أبو عبد الله محمد بن الصفار [٤] : [السريع]

لا تحسب الناس سواء متى ... ما اشتبهوا فالناس أطوار

وانظر إلى الأحجار في بعضها ... ماء وبعض ضمنها نار [٥]


[١] البقرة ١٩١. في ب، ش: (ولا تقتلوهم) .
[٢] التوبة ٥. وتمام الآية: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
[٣] في ب، ل: فأنت منه في نعمة أبدا.
[٤] ابن الصفار: محمد بن عبد الله بن عمر الأنصاري القرطبي، أبو عبد الله، حاسب أديب من بيت كبير في قرطبة، تنقل في البلدان وزار المشرق، وقرأ الأدب، وله شعر، وكان أعمى معطل اليدين والرجلين مشوه الخلقة له جرأة على الملوك، توفي بتونس سنة ٦٣٩ هـ عن نيف وسبعين سنة. (المغرب في حلى المغرب ١/١١٧، نفح الطيب ١/٣٨٤، التكملة لابن الأبار ١/٣٥٣) .
[٥] في ب، ش: وبعض في ضمنها نار. بزيادة (في) ، ولا يستقيم بها الوزن.

<<  <   >  >>