للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحمل يدار به، فقال: والله لا أنفقت هذه إلا في الحج، فاشترى ما يحتاجه، وسار حتى وصل إلى مكة، فلما قضى إربه منها، رجع إلى المدينة، فلما وصل قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قرأ عشرا جمع فيه الأئمة السبعة، وقال: هذه قراءتي على فلان، عن فلان، عنك، عن جبريل، عن الله تعالى، وقد سألت شيخي الإجازة فأبي إلا أن أعطيه عشرة دنانير [١] ، وقد استعنت بك يا رسول الله في/ تحصيلها، ثم نام، فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال له: سلّم على شيخك، وقل له: الرسول يقول لك أجزني بلا شيء، فان لم يصدقك، فقل له بامارة: (زمرا، زمرا) ، فلما وصل الفقير إلى مصر، اجتمع بشيخه، وبلغه الرسالة عريّة عن الإمارة، فلم يصدقه، فقال له: بامارة: (زمرا، زمرا) ، فصاح الشيخ وخرّ مغشيا عليه، فلما أفاق قال له أصحابه: يا سيدنا، ما الخبر؟

فقال: كنت كثيرا ما أتلو القرآن، فمررت يوما على قوله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ

[٢] ، فقلت: ليت شعري، من أي الأقسام أنا. ثم قلت: لست من الثاني ولا الثالث بيقين، فتعيّن أن أكون من القسم الأول، فنمت تلك الليلة حزينا، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال لي: (بشّر قرّاء القرآن، إنهم يدخلون الجنة زمرا زمرا) ، ثم أقبل على الفقير فقبّل وجهه وقال: أشهدكم على أنّي أجزته ليقرأ ويقرىء من شاء أنّى شاء.

وسمعت يوسف بن علي الزناتي، يحكي عن امرأة هاشمية كانت مجاورة بالمدينة، وكان بعض الخدام/ يؤذيها، قالت: فاستغثت بالنبي صلّى الله عليه وسلم، فسمعت قائلا من الروضة يقول: أما لك فيّ أسوة؟ اصبري كما صبرت، أو نحو هذا، قالت: فزال عني ما كنت فيه، ومات الخدام الثلاثة الذين كانوا يؤذونني.

سمعت الشيخ الصالح أبا زكريا الاسكندراني وكان من أولياء الله يقول: سمعت سيدهم الرشيدي [٣] يقول: كنت بحرم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فاذا ظبية قد أقبلت من باب الرحمة، في وسط القائلة، حتى واجهت قبر النبي صلّى الله عليه وسلم، فوقفت من بعيد، وهي تومىء برأسها، كالمسلّمة عليه، وذرفت عيناها بالدموع، ثم تأخرت على عجزها، حتى خرجت ولم تول ظهرها تعظيما وتوقيرا للنبي صلّى الله عليه وسلم، حتى خرجت من الحرم، ونحن نشاهد ذلك، قلت: ترى هذه الظبية من نسل تلك الظبية التي أطلقها رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟


[١] قوله: (إلا أن أعطيه عشرة دنانير) ساقطة من ب، ل.
[٢] فاطر ٣٢.
[٣] الرشيدي: برهان الدين إبراهيم بن لاجين، المعروف بالرشيدي، نسبة والده إلى أمير بالقاهرة يسمى الرشيدي، كان فقيها عالما بالنحو وبالتفسير والقراءات، وطبيبا، تولى خطابة جامع الحسين، توفي بالقاهرة سنة ٧٤٩ هـ شهيدا بالطاعون. (طبقات الشافعية للأسنوي ١/٦٠٢- ٦٠٣) .

<<  <   >  >>