للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طلبهما، فجيء بهما، فلما رآهما، قال للوزير: هما هذان، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما، فقالا: لمجاورة النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: أصدقاني، وتكرر السؤال، حتى أفضى إلى معاقبتهما، فأقرا أنهما من النصارى [١] ، أنهما وصلا لكي ينقلا من في هذه الحجرة الشريفة المقدسة، باتفاق من ملوكهم، ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة، ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الذي هما فيه، فضرب أعناقهما، ثم أحرقا بالنار. وركب متوجها إلى الشام./

وحكى الإمام زين الدين أبو بكر بن الحسين المراغي [٢] أيضا هذه الحكاية، في كتابه تاريخ المدينة، ثم قال: وقد اتفق بعد الأربعمئة من الهجرة، ما يقرب من ذلك، وهو ما أخرجه الحافظ محب الدين بن النجار، في تاريخ بغداد، بسنده عن أبي القاسم عبد الحكم بن محمد المغربي، أن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي [٣] صاحب مصر، بنقل النبي صلّى الله عليه وسلم وصاحبيه، من المدينة إلى مصر، وزيّن له ذلك، وقال: متى تم ذلك، شدّ الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر، وكانت منقبة لسكانها، فاجتهد في ذلك [٤] ، وبنى بمصر مكانا، وأنفق عليه مالا جزيلا، وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف وحملهم، فلما وصل إلى المدينة، ماج الناس، وكادوا يقتلونه ومن معه، وأرسل الله ريحا كادت تزلزل الأرض من قوتها، حتى دحرجت الإبل بأقتابها، والخيل بسروجها، كما يدحرج الكرة على وجه الأرض، وهلك أكثرها، وخلق من الناس، فرجع أبو الفتوح عن ذلك./


[١] في ش: أنهما نصارى.
[٢] المراغي: أبو بكر بن الحسين بن عمر القرشي، زين الدين، مؤرخ ولد بالقاهرة وقرأ واشتهر، وتحول إلى المدينة واستوطنها نحو خمسين سنة، وولي قضاءها وخطابتها وإمامتها، له من الكتب: (تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة) في تاريخ المدينة، و (روائح الزهر) اختصر به الزهر الباسم، في السيرة النبوية، وغيرهما، توفي سنة ٨١٦ هـ. (النجوم الزاهرة ١٤/١٢٥، شذرات الذهب ٧/١٢٠، الضوء اللامع ١١/٢٨) .
[٣] الحاكم بأمر الله: أبو علي المنصور الملقب الحاكم بأمر الله بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي، صاحب مصر، تولى عهد أبيه في حياته، ثم استقل بالأمر يوم وفاة أبيه، وكان جوادا بالمال سفاكا للدماء قتل عددا كثيرا من أماثل أهل دولته وغيرهم صبرا، وكانت سيرته من أعجب السير، يخترع كل وقت أحكاما يحمل الناس على العمل بها، قتل سنة ٤١١ هـ. (وفيات الأعيان ٥/٢٩٢- ٢٩٨ ط إحسان عباس) .
[٤] في ش: منقبة لساكنها، فاجتهد الحاكم في ذلك.

<<  <   >  >>