للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغلمان، فدخل، وشُغِل الركابي (١) عن البلغة لضعف قوته فأخذها ثلاثة أنفس ومضوا بها فذبحوها وأكلوها، فأنهى ذلك إلى صاحب مصر فتقدم بقتلهم وصلبهم، فصُلِبُوا، فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم وقد أكلهم الناس، وباع رجل داراً بمصر كان ابتاعها بتسعمائة ديناراً فاشترى بها دون الكارة (٢) من الدقيق) . ا. هـ (٣) .

فخلاصة الكلام: أن العبيديين لما دخلوا مصر وأرادوا نشر مذهبهم الباطني، متخذين التشيع ستاراً يحجب أنظار الناس عن حقيقة دعوتهم، استعملوا في سبيل ذلك شتى الوسائل: فأغروا العامة ورعاع الناس بالهدايا والولائم والاحتفالات كأداة من أدوات نشر مذهبهم، وبالمقابل استعملوا القتل والسجن والأذى لمن عارضهم من أهل السنة المدركين لحقيقة دعوتهم. فعامة الناس كانوا متطلعين إلى هذه الاحتفالات البدعية لحاجتهم لما يُنْفق فيها من الأموال، ولرغبتهم في ترويح أنفسهم، والاستجابة لهواها. والخوف من السلطان ومن يعلم بدعية هذه الاحتفالات وغيرها من المحدثات لا يستطيع الإنكار لما ينتظره من القمع والتعذيب.

فكان مناخاً مناسباً لانتشار البدع، وتعويد الناس عليها، وتعليقهم بها، لما يعلموا من وراء ذلك من الترغيب والترهيب من السلطان الظالم.

بالإضافة إلى أنهم كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم -والله أعلم- بأنهم أدعياء على النسب الشريف، فظنُّوا- وتحقق ظنهم - أن إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم وآله تثبت للناس صحة نسبهم وانتسابهم إلى آل البيت، فابتدعوا تلك الموالد وأنفقوا عليها الأموال الطائلة، والله أعلم.


(١) - الركابي: نسبة إلى الركاب، والركاب: هو ما يركب من دابة. يراجع: لسان العرب (١/٤٣٠) مادة (ركب) .
(٢) - الكارة: هي من الثياب ما يجمع ويشد، وهي مقدار أو معلوم من الطعام يحمله الرجل على ظهره. يراجع: الإفصاح في فقه اللغة (٢/٧٢٢) .
(٣) - يراجع: المنتظم (٨/٢٥٧، ٢٥٨) . يراجع كذلك: وفيات الأعيان (٥/٢٣٠) ترجمة المستنصر، البداية والنهاية (١٢/١٠٧) ، واتعاظ الحنفا (١/٢٧٩، ٢٩٦- ٢٩٩) .

<<  <   >  >>