للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معصية، أو شعاراً لها، كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه، بعلة كونه تشبهاً، والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه، وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير قد فعله أيضاً، ولم يأخذ أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبه نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة (١) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (وهذا الحديث أقل أحوال أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) ا. هـ (٢) .

ثالثاً: الأدلة من الإجماع:

أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-، ثم عامة الأئمة بعده، وسائر الفقهاء، جعلوا في الشروط المشروطة على أهل الذمَّة من النصارى وغيرهم، فيما شرطوه على أنفسهم:

أن نوقر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم: قلنسوة (٣) أو عمامة أو نعلين، أو فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زيِّنا حيثما كنَّا، وأن نشد الزنانير (٤) على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، ولا نظهر صليباً ولا كتباً في شيء من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفياً، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين (٥)


(١) - يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (١/٢٣٨) .
(٢) - يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (١/٢٣٧) .
(٣) - القلنسوة: من ملابس الرؤوس معروف. يُراجع: لسان العرب (٦/١٨١) مادة (قلس) .
(٤) - الزنانير: جمع زنارة وزنارة: ما يلبسه المجوسي والنصراني على وسطه يشده به. يُراجع: لسان العرب (٤/٣٣٠) مادة (زنر) .
(٥) - رواه البيهقي في سننه (٩/٢٠٢) كتاب الجزية، باب الإمام يكتب كتاب الصالح على الجزية. ويراجع: أحكام أهل الذمة لابن القيم (٢/٦٥٧-٦٦٣) . ويُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (١/٣٢٠- ٣٢١) . وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (رواه حرب - الكرماني - بإسناد جيد) .

<<  <   >  >>