للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* الوجه الرابع:

أن الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم، كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ولهذا جاءت بها كل شريعة، كما قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (١) . وقال جل وعلا: {كُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} (٢) .

ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه، وهو الكمال المذكور في قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (٣) . ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية، فإنه لا عيد في النوع أعظم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهو عيد النحر، ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامة المسلمين، وقد نفى الله تعالى الكفر وأهله.

ومن شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم (٤) ، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له، الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلَّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمَّته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه ويكمل إسلامه.

ولذا تجد من أكثر سماع القصائد لطلب صلاح قلبه، تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه.

ولهذا عظَّمت الشريعة النكير على من أحديث البدع، وكرهتها؛ لأنَّ البدع لو خرج الرجل منها كفافاً لا عليه ولا له، لكان الأمر خفيفاً، بل لابد أن يوجب له فساداً، منه نقص منفعة الشريعة في حقه؛ إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه.


(١) - سورة الحج، الآية: ٣٤.
(٢) - سورة الحج، الآية:٦٧
(٣) - سورة المائدة، الآية: ٣.
(٤) - تجشم: تكلف على مشقة، وتجشمت كذا: أي فعلته على كره ومشقة. يُراجع: لسان العرب (١٢/١٠٠) مادة (جشم) .

<<  <   >  >>