لا يخفى على كل مسلم أن التشبه بأهل الكتاب حرام، - سواء في عاداتهم أو أعيادهم أو أخلاقهم أو غير ذلك-؛ لأنَّ التشبه بهم يدل على نوع مودة ومحبة وموالاة، وإن لم يجاهر المتشبه بذلك، وإن لم يورث نوع مودة ومحبة، فهو على الأقل مظنة المودة فيكون محرماً من هذا الوجه سداً للذريعة، وحسماً لعادة حب الكافرين والولاء لهم، فضلاً عن كونه محرماً من وجوه أخرى، بالنصوص الواردة وغيرها.
وكلما كانت المشابهة أكثر، كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط. بعكس المتمسكين بهدي الإسلام، والبعيدين عن مشابهة الأمم الأخرى، فهم أكثر نفرة وأقل مودة لغير المسلمين.
والتشبه بأهل الكتاب لا يقتصر على المودة الظاهرة بين المسلم والكافر، بل قد يصل إلى الأمور الاعتقادية والفكرية الباطنية، وهذا أخطر من سابقه؛ لأن المسلم الذي يقلِّد الكفار في الظاهر، يقوده ذلك إلى التأثر باعتقاداتهم الباطنية، وذلك عن طريق الاستدراج الخفي شيئاً فشيئاً.
فأكثر من تعلموا في ديار الغرب، أو عاشوا بعض الوقت عندهم، تجدهم يعشقون حياتهم الغربية، ويحاولون بقدر الإمكان تقليدهم في كثير من الأمور لشدة إعجابهم بهم، فيأتون من عندهم وقد حملوا أفكاراً واعتقادات غريبة عن الإسلام، بل بعضها ربما ينافي العقيدة الإسلامية الصحيحة - هدانا الله وإياهم -.
ومن الأمور التي تساهل بها بعض المسلمين، وسارعوا إلى التشبه بالأمم الأخرى فيها: الأعياد والاحتفالات البدعية -التي هي موضوع كتابنا- فأحدثوا من البدع في هذا المجال الشيء الكثير، مما حدا بشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن يؤلف كتاباً كاملاً في النهي عن مشابهة أهل الكتاب، وخاصة في أعيادهم، سمَّاه (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم) . فقال -رحمه الله- بعد حمد الله والثناء عليه بما