للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الأمور العادية أو بعضها، بصنعة طعام وزينة لباس، وتوسيع في نفقة ونحو ذلك، من غير أن يتعبد بتلك العادة المحدثة، ألم يكن هذا من أقبح النكرات؟ فكذلك موافقة هؤلاء المغضوب عليهم والضالين أشدّ.

وأهل الكتاب يقرون على دينهم المبتدع والمنسوخ مستسرين به، والمسلم لا يقر على مبتدع ولا منسوخ، لا سراً ولا علانية، وأما مشابهة الكفار فكمشابهة أهل البدع وأشدّ (١) .

* الوجه الثالث:

أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك، أدي إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله، حتى يصير عادة للناس بل عيداً، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يُزاد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام، فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى، من الهدايا والأفراح، والنفقات وكسوة الأولاد، وغير ذلك، مما يصير به مثل عيد المسلمين، بل البلاد المصاقبة (٢) للنصارى التي قلَّ عِلْمُ أهلها وإيمانهم، قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله.

فالمشابهة تفضي إلى كفر، أو معصية غالباً، أو تقضي إليهما في الجملة، وليس في هذا المفضي مصلحة، وما أفضى إلى ذلك كان محرماً، فالمشابهة محرمة، والمقدمة الثانية لا ريب فيها، فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها دالٌّ على أن ما أفضى إلى الكفر غالباً حرِّم، وما أفضى إليه وجه خفي حرم، وما أفضى إليه في الجملة ولا حاجة تدعوا إليه حرم.

والمقدمة الأولى قد شهد بها الواقع شهادة لا تخفى على بصير ولا أعمى مع أن الإفضاء أمر طبيعي، قد اعتبره الشارع في عامة الذرائع التي سدَّها، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب ((إقامة الدليل على إبطال التحليل)) (٣) . (٤) .


(١) - ويُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (١/٤٧٢-٤٧٣) .
(٢) - المصاقبة: القريبة والملاصقة. .يراجع: لسان العرب (١/٥٢٥) مادة (صقب) .
(٣) - يوجد ضمن الفتاوى الكبرى، الجزء الثالث. ويقع في نحو ٢٦٥صفحة (طبعة ١٣٢٨هـ بمصر) نشر مكتبة المثني ببغداد.
(٤) - ويُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (١/٤٧٣-٤٨٢) .

<<  <   >  >>