للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما تقدم من النصوص التي وصفت طريقه إحياء المولد النبوي في عصور مختلفة، يؤكد لنا أن هذه الاحتفالات ليست إلا تلبية لشهوات ورغبات النفوس المريضة من الناس، ومراسم هذه الاحتفالات من الأكل والشرب وإنشاد القصائد، واختلاط النساء بالرجال، وأعمال اللهو وما يؤول على القائمين على هذه الاحتفالات من الأموال، والعطايا والهدايا، خير شاهد على ما ذكرت.

فليس القصد كما يدعُون تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والفرح بذكرى مولده، وإحياء ذكره، وإثبات محبتهم له صلى الله عليه وسلم بتلك الاحتفالات المبتدعة.

وكون هذه الاحتفالات أمر محدث مبتدع فهذا كاف في ذمِّها، والتحذير منها، لاسيما وأن من ابتدعها إنما ابتدعها بسوء نية، كما تقدم بيان ذلك (١) .

وربَّما شذَّ عن هذه القاعدة أناس فعلوا ذلك عن حسن نية ولكن حسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فمن قبلنا من الملل كانوا يبتدعون قي دينهم أموراً بقصد التعظيم وحسن النية، حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبراً وذراعاً بذراع، لضاع أصل ديننا، لاسيما وأن هذه الاحتفالات لا تخلو من الشرك الأكبر وهو التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به، ودعاؤه، واللجوء إليه، ومن المعلوم أن الشرك الأكبر مُخْرِجٌ من الملة.

ولكن الله تكفل بحفظ هذا الدين، وجعل السلف الصالح من تبع نهجهم وآثارهم سبب هذا الدين. ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقة والصادقة هي طاعته فيما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، وتعظيمه يكون بالصلاة عليه، والالتزام بسنته، والعمل بها، والذبِّ عنها، كما سنوضح ذلك في المبحث التالي - إن شاء الله - والله أعلم.


(١) - في المبحث الأول من الفصل الثالث في هذا الكتاب.

<<  <   >  >>