للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعصب بقوم، والتشيع من أمة في آخرين، ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان، وهتك الحرم، واخترام (١) النفوس.

أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له، وإنعامه عليه، وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها.

فإذا تقرر هذا: نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة: أما جمال الصورة، والظاهر، وكمال الأخلاق، والباطن فهو أعلى الناس فيها قدراً، وأكملهم محاسن وفضلاً (٢) .

وأما إحسانه وإنعامه على أمته، فقد ذكره الله في كتابه العزيز في مواطن عدَّة، والتي وصفه الله-سبحانه وتعالى- بأمور، منها:

رأفته بأمته، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، وشفقته عليهم، واستنقاذهم به من النار، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، ورحمة للعالمين، ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً ويتلوا عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويهديهم إلى صراط مستقيم.

فأي إحسان أجل قدراً، وأعظم خطراً، من إحسانه إلى جميع المؤمنين؟

وأي إفضال أعم منفعة، وأكثر فائدة من إنعامه - بعد الله - سبحانه وتعالى - على كافة المسلمين؛ إذ كان ذريعتهم (٣) إلى الهداية، ومنقذهم من العماية (٤) ، وداعيهم إلى الفلاح، ووسيلتهم إلى ربهم، وشفيعهم والمتكلم عنهم والشاهد لهم، فقد استبان لك أنه صلى الله عليه وسلم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعاً؛ لما ورد في ذلك من النصوص، كقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (٥) .


(١) - اخرمته المنية: أي أخذته، واخترم فلان: مات وذهب. وخرمته الخوارم: إذا مات. يراجع: لسان العرب (١٢/١٧٢) مادة (خرم) .
(٢) - يراجع: الشفا (٢/ ٧٩-١٠٩) .
(٣) - الذريعة: الوسيلة، والجمع: الذرائع. يراجع: لسان العرب (٨/٩٦) مادة (ذرع) .
(٤) - العماية: الضلال، وهي فعالة من العمى، وعماية الجاهلية: جهالتها. يراجع: لسان العرب (١٥/٩٧، ٩٨) مادة (عمي) .
(٥) - سورة التوبة:٢٤.

<<  <   >  >>