للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلامة حب الآخرة بُغض الدنيا، وعلامة بُغض الدنيا ألاَّ يدَّخر منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرة) (١) .

وإذا استعرضنا هذه العلامات، وجدنا أن الذين ابتدعوا الاحتفال بالمولد النبوي، لم تظهر عليهم أي علامة من هذه العلامات، ولم يتَّصفوا بإحداها، بل كانوا يتصفون بضدها. فلم يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في القول والفعل، ولم يمتثلوا أمره بلزوم السنة، ونهيه عن الإحداث في الدين، بل اطرحوا سنته جانباً، وقدموا ما تهوى أنفسهم وما يشتهونه على ما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، واشتغلوا بالمعاصي والملذات عن ذكره صلى الله عليه وسلم، وسبُّوا صحابته وأنصاره- بل كفَّرُوهم -، وجاهروا بذلك، وقرَّبُوا أعداء الله ورسوله، وأظهروا لهم المودة، وولوهم أمور المسلمين (٢) ، فهل يبقى أدنى شك في كذبهم فيما يزعمون من أن إقامتهم للمولد النبوي لأجل محبتهم له صلى الله عليه وسلم، وتعظيم ذكراه؟؟!!؛لأن المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تكون بطاعته فيما أمر، والابتعاد عمَّا نهى عنه والانقياد للشرع الذي جاء به، فلا يعبد الله إلا بما شرع، وكذلك الإكثار من الصلاة والسلام عليه، والتمسك بسنته، والعمل بها، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، وتقديم قوله على كل قول، فإنَّهُ لا أحد من الأمة معصوم من الخطأ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيجب أن يؤخذ قوله كله ولا يُردّ منه شيء، وأمور الدين إنَّما العمدة فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا مكان للاعتماد على الهوى والاستحسان من غير دليل شرعي.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (٣) ، والله أعلم


(١) -يراجع: الشفا (٢/٥٧١-٥٧٧) .
(٢) - يراجع: المبحث الأول والثاني من هذا الفصل في هذا الكتاب
(٣) - سورة النساء:٥٩.

<<  <   >  >>