للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكره، فلا شك أن تعزيره (١) وتوقيره يحصل بغير هذه الموالد المنكرة، وما يصاحبها من مفاسد وفواحش ومنكرات، قال الله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (٢) . فذكره مرفوع في الأذان والإقامة، والخطب والصلوات، وفي التشهد والصلاة عليه في الدعاء وعند ذكره، فلقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((البخيل من ذُكرت عنده فلم يصل علي)) (٣) .

وتعظيمه يحصل بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألاَّ يُعبد الله إلا بما شرع.

فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولو كان هذه الاحتفالات خيراً نحضاً، أو راجحاً لكان السلف الصالح - رضي الله عنهم - أحق بها منا، فإنهم كانوا أشدّ منا محبة وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم على الخير أحرص، ولكن قد لا يتجاوز أمر أصحاب هذه الموالد ما ذكره بعض أهل العلم: من أن الناس إذا اعترتهم عوامل الضعف والتخاذل والوهن، راحوا يعظمون أئمتهم بالاحتفالات الدورية، دون ترسم مسالكهم المستقيمة؛ لأن تعظيمهم هذا لا مشقة على فيه النفس الضعيفة، ولا شك أن التعظيم الحقيقي هو طاعة المعظم، والنصح له، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره، ويعتز بها دينه، إن كان رسولاً، وملكه إن كان ملكاً.

وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم للخلفاء الراشدين من بعده، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، إلا أن تعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين، لم يكن كتعظيم أهل هذه القرون المتأخرة، ممن ضاعت منهم طريقة السلف الصالح في الاهتداء والاقتداء، وسلكوا طريق الغواية والضلال في مظاهر التعظيم الأجوف، ولا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحقّ الخلق بكل تعظيم يناسبهم، إلاَّ أنه ليس من تعظيمه أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص، أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، كما أنه ليس من تعظيمه- عليه الصلاة والسلام - أن نصرف له شيئاً مما لا


(١) - كلمة التعزير مأخوذة من قوله تعالى: {) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفتح:٩) . وقوله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (لأعراف: من الآية١٥٧)
(٢) - سورة الشرح:٤.
(٣) - رواه الإمام أحمد في مسنده (١/٢٠١) . ورواه الترمذي في سننه (٥/٢١١) أبواب الدعوات، حديث رقم (٣٦١٤) ، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

<<  <   >  >>