للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النار)) ، والتحذير من الأمور المحدثات: فهذا نصُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذمّ البدع، ومن نازع في دلالته فهو مراغم.....

(ولا يحلُّ لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قوله: ((كل بدعة ضلالة)) . بسلب عمومها، وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة، فإن هذا إلى مشاقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب منه إلى التأويل) (١) .

فأمَّا صلاة الترويح فليست بدعة في الشريعة، بل سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله في الجماعة. ولا صلاتها في الجماعة بدعة، بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة، في أول شهر رمضان ثلاث ليال، وقال في الرابعة: ((أمَّا بعد: فإنه لم يخف على مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)) (٢) .

فعلَّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جمعهم على قارئ واحد (٣) ، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة، وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمام واحد مع الإسراج عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسُمِّي بدعة؛ لأنَّهُ في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأنَّ السنَّة اقتضت أنه عمل صالح، لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض زال بموته صلى الله عليه وسلم، فانتفى المعارض (٤) .

وأما قولُ عمر- رضي الله عنه-: ((نعمت البدعة هذه)) فأكثر المحتجِّين بهذا لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر - رضي الله عنه- الذين لم يُخالف فيه، لقالوا: قول الصاحب ليس بحجة، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اعتقد أن قول الصاحب حجَّة، فلا يعتقده إذا خالف الحديث.


(١) - يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢/٥٨٢-٥٨٨)
(٢) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (٤/٢٥١) كتاب صلاة التراويح، حديث (٢٠١٢) وفي مواضع أخرى.
ورواه مسلم في صحيحه (١/٥٢٤) ، كتاب صلاة المسافرين، حديث رقم (٧٦١) (١٧٨) .
(٣) - وهو: الصحابي الجليل أبي بن كعب. يراجع: الموطأ (١/١١٤) .
(٤) - يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢/٥٨٨-٥٩١)

<<  <   >  >>