للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمصار الذي اختلف العلماء فيه ففعله ابن عباس، وعمرو بن حريث من الصحابة، وطائفة من البصريين والمدنيين، ورخص فيه أحمد - وإن كان مع ذلك لا يستحبه-. هذا هو المشهور عنه، وكرهه طائفة من الكوفيين والمدنيين، كإبراهيم النخعي، وأبي حنيفة، ومالك..... وغيرهم.

ومن كرهه قال: هو من البدع، فيندرج في العموم لفظاً ومعنى. ومن رخَّص فيه قال: فعله ابن عباس بالبصرة، حين كان خليفة لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ولم ينكر عليه، وما يفعله في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار، لا يكون بدعة، لكن ما يُزاد على ذلك من رفع الأصوات الرفع الشديد في المساجد بالدعاء، وأنواع من الخطب والأشعار الباطلة، مكروه في هذا اليوم وغيره.

والفرق بين هذا التعريف المختلف فيه، وتلك التعريفات التي لم يختلف فيها (١) : أنَّ في تلك قصد بقعة بعينها للتعريف فيها، كقبر الصالح، أو كالمسجد الأقصى، وهذا تشبيه بعرفات، بخلاف مسجد المصر (٢) ، فإنه قصد له بنوعه لا بعينه، ونوع المساجد مما شرع قصدها، فإن الآتي إلى المسجد ليس قصده مكاناً معيناً لا يتبدل اسمه وحكمه، وإنما الغرض بيت من بيوت الله، بحيث لو حوِّل ذلك المسجد لتحوَّل حكمه، ولهذا لا تتعلق القلوب إلا بنوع المسجد لا بخصوصه.

وأيضاً، فإنَّ شد الرحال إلى مكان للتعريف فيه، مثل الحج، بخلاف المصر.

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُشدًّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)) (٣) . هذا مما لا أعلم فيه خلافاً.


(١) - أي: لم يختلف في النهي عنها. والله أعلم.
(٢) - أي: مسجد المدينة التي يسكنها الإنسان. يراجع: لسان العرب (٥/١٧٦) مادة (مصر) .
(٣) - رواه البخارى في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (٣/٦٣) كتاب التهجد، حديث رقم (١١٨٩) ، ولفظه: ((لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى)) . ورواه مسلم في صحيحه (٢/١٠١٤) كتاب الحج، حديث رقم (١٣٩٧) .

<<  <   >  >>