للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه دليل مفارقتنا لغيرنا في العيد، والتخصيص بهذه الأيام الخمسة؛ لأنَّه يجتمع فيها العيدان: المكاني والزماني، ويطول زمنه، وبهذا يسمى العيد الكبير، فلما كملت فيه صفات التعبيد: حصر الحكم فيه لكماله، أو لأنه عدّ أياماً، وليس لنا عيد هو أيام، إلا هذه الخمسة.

الثالث: أنه رخص في لعب الجواري بالدف، وتغنيهن، معللاً بأن لكل قوم عيداً، وأن هذا عيدنا، وذلك يقتضي أن الرخصة معللة بكونه عيد مسلمين، وأنها لا تتعدى إلى أعياد الكفار، وأنه لا يرخص في اللعب في أعياد الكفار، كما يرخص فيه في أعياد المسلمين؛ إذ لو ما فعل في عيدنا من ذلك اللعب يسوغ مثله في أعياد الكفار أيضاً لما قال: ((فإن لكل قوم عيداً، وإن هذا عيدنا)) ؛ لأن تعقيب الحكم بالوصف بحرف الفاء دليل على أنه علة، فيكون علة الرخصة: أن كل أمة مختصة بعيد، وهذا عيدنا، وهذه العلة مختصة بالمسلمين، فلا يجوز لنا أن نفعل في كل عيد للناس من اللعب ما نفعل في عيد المسلمين، وهذا فيه دلالة على النهي عن التشبه بهم في اللعب ونحوه (١) .

أن أرض العرب ما زال فيها يهود ونصارى، حتى أجلاهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خلافته، وكان اليهود بالمدينة (٢) كثيراً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد هادنهم حتى نقضوا العهد، طائفة بعد طائفة، وما زال بالمدينة يهود، وإن لم يكونوا كثيراً، فإنه مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، وكان في اليمن يهود كثير، والنصارى بنجران (٣)

وغيرها، والفرس بالبحرين (٤) .

ومن المعلوم أن هؤلاء كانت لهم أعياد يتخذونها، ومن المعلوم أيضاً أن المقتضي لما يفعل في العيد: من الأكل والشرب، واللباس والزينة، واللعب والراحة ونحو ذلك، قائم في النفوس كلها، إذا لم يوجد مانع، خصوصاً في نفوس الصبيان والنساء، وأكثر الفارغين من الناس.


(١) - ويُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (١/٤٤٥- ٤٤٩) .
(٢) - المدينة: وكانت تسمى في الجاهلية: يثرب. وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهاجره، ورد في فضلها وأنها بلد حرام، أحاديث كثيرة، عقد لها البخاري كتاباً في صحيحه وسماه كتاب: فضائل المدينة، وفيها مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقبره ومنبره اللذين ورد في أن ما بينهما روضة من رياض الجنة، وبها استقر خير أمة محمد عليه والسلام من الخلفاء الراشدين والصحابة وبها ماتوا ودُفنوا. وفي شمالها يقع جبل أحد الذي وقعت عنده الغزوة المشهورة غزوة أحد، وهي في حرة سبخة الأرض، وبها نخيل كثيرة ومياه ومزارع. وتقع شمال مكة على نحو عشر مراحل (حوالي ٤٥٠كم) . يراجع: معجم البلدان (٥/٨٢، ٨٨) ، وصحيح البخاري (٢/٢٢٠- ٢٥٥) كتاب فضائل المدينة.
(٣) - نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة، وسمي بذلك نسبة إلى نجران بن يعرب بن قحطان؛ لأنه أول من عمرها، وبها واد عظيم، وكان بها على زمن النبي صلى الله عليه وسلم كعبة وبها أساقفة وهم الذين دعاهم صلى الله عليه وسلم للمباهلة. وبها خُد الأخدود ولا زالت آثاره باقية.
وهي الآن تابعة للمملكة العربية السعودية، وبها إمارة خاصة بمنطقة نجران وتبعد عن الرياض حوالي تسعمائة كيلوا متر عن طريق وادي الدواسر، وتشتهر بالزراعة. يراجع: معجم البلدان (٥/٢٦٦ - ٢٧٠) .
(٤) - البحرين: اسم جامع لبلاد على ساحل البحر بين البصرة وعُمان. وفيها عيون ومياه وبلاد واسعة. يراجع: معجم البلدان (١/٣٤٦ - ٣٤٩) .

<<  <   >  >>