للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: إن الرؤيا من أجزاء النبوة، فلا ينبغي أن تهمل، وأيضاً إن المخبر في المنام قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قد قال: ((من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي)) (١) . وإذا كان كذلك، فإخباره في النوم كإخباره في اليقظة.

فالجواب على ذلك بما يأتي: إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة فليست إلينا من كمال الوحي، بل جزء من أجزائه، والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه، بل إنما يقوم مقامه في بعض الوجوه، وقد صرفت إلى وجه البشارة والنذارة وهذا كاف.

وأيضاً: فإنَّ الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة من شروطها أن تكون صالحة من الرجل الصالح، وحصول الشرط مما ينظر فيه، فقد تتوفر وقد لا تتوفر.

وأيضاً: فهي منقسمة إلى الحلم، وهو من الشيطان، وإلى حديث النفس، وقد تكون سبب هيجان بعض أخلاط، فمتى تتعين الصالحة حتى يحكم بها، وتترك غير الصالحة؟ .

ويلزم أيضاً على ذلك أن يكون تجديد وحي بحكم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منهي عنه بالإجماع (٢) .

قال النووي - رحمه الله - في معنى حديث ((من رآني في المنام فقد رآني)) :

معنى الحديث: أن رؤيته صحيحة، وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بها؛ لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا- جمهور المحدثين- على أن من شرط من تُقْبَلْ روايته وشهادته أن يكون متيقظاً، لا مغفلاً ولا سيء الحفظ، ولا كثير الخطأ، مختلّ الضبط، والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته، لاختلال ضبطه. هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة.

أما إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بفعل ما هو مندوب إليه، أو ينهاه عن منهي عنه، أو يرشده إلى فعل مصلحة، فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه؛ لأنَّ ذلك ليس


(١) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (١٢/٣٨٣) كتاب التعبير، حديث (٦٩٩٤) . ورواه مسلم في صحيحه (٤/٢٦٠، ٢٦١) .
(٢) - يراجع: الاعتصام للشاطبي (١/٢٦٠، ٢٦١) .

<<  <   >  >>