للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأما النصيحة التي هي نافلة، فهي إيثار مَحبته على محبة نفسه، وذلك أنْ يَعْرِض أمران، أحدهما لنفسه، والآخرُ لربه، فيبدأ بما كان لربه، ويؤخر ما كان لنفسه، فهذه جملة تفسير النصيحة لله، الفرض منه والنافلة، ولذلك تفسير، وسنذكر بعضَه لِيفهم (١) بالتفسير من لا يفهم الجملة.

فالفرضُ منها مجانبةُ نهيه، وإقامةُ فرضه بجميع جوارحه ما كان مطيقاً له،

فإنْ عَجَزَ عن الإقامة بفرضه لآفة حَلَّتْ به من مرض، أو حبس، أو غير ذلك،

عزم على أداء ما افترض عليه متى زالت عنه العلةُ المانعةُ له، قال الله - عز وجل -: {لَيْسَ

عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (٢)، فسماهم محسنين لِنصيحتهم لله بقلوبهم لمَّا مُنِعُوا من الجهاد بأنفسهم.

وقد ترفع الأعمالُ كُلُّها عن العبد في بعض الحالات، ولا يُرفع عنه النصحُ

لله، فلو كان من المرض بحالٍ لا يُمكنه عملٌ بشيء من جوارحه بلسانٍ ولا غيره،

غير أنَّ عقلَه ثابتٌ، لم يسقط عنه النصحُ لله بقلبه (٣) وهو أنْ يندمَ على ذنوبه، وينويَ إنْ صحَّ أنْ يقومَ بما افترض الله عليه، ويجتنبَ ما نهاه عنه، وإلا كان غير ناصح لله بقلبه.

وكذلك النصحُ لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أوجبه على الناس عن أمرِ ربه،

ومن النصح الواجب لله أنْ لا يرضى بمعصية العاصي، ويُحِبَّ طاعةَ من أطاعَ الله ورسولَه.

وأما النصيحةُ التي هي نافلةٌ لا فرض (٤): فبذل المجهود بإيثار الله تعالى على كُلِّ محبوب بالقلب وسائرِ الجوارح حتى لا يكونَ في الناصح فضل عن غيره، لأنَّ الناصحَ إذا اجتهد لم يؤثر نفسه عليه، وقام بكُلِّ ما كان في القيام به سرورُه ومحبتُه، فكذلك الناصحُ لربه، ومن تنفَّل لله بدون الاجتهاد، فهو ناصح على قدر عمله، غير مستحق للنصح بكماله.


(١) في (ص): «وكذلك فصل تفسيره بعضهم ليفهم».
(٢) التوبة: ٩١.
(٣) زاد بعدها في (ص): «وكذا النصح لرسوله فيما أوجبه على الناس».
(٤) عبارة: «لا فرض» سقطت من (ص).

<<  <   >  >>