للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كالمتكلم على علمٍ، فقال عمر: إنِّي لأرجو أنْ يكونَ المتكلمُ على علم أفضلهما يوم القيامة حالاً، وذلك أنَّ منفعته للناس، وهذا صمتُه لنفسه، فقال له: يا أمير المؤمنين وكيف بفتنة المنطق (١)؟ فبكى عمرُ عند ذلك (٢) بكاءً شديداً.

ولقد خطب عمر بن عبد العزيز يوماً فرقَّ الناسُ وبكَوا، فقطع خطبته، فقيل له: لو أتممتَ كلامك رجونا أنْ ينفعَ الله به، فقال عمر: إنَّ القولَ فتنة والفعل أولى بالمؤمن من القول.

وكنت من مدَّةٍ طويلةٍ قد رأيتُ في المنام (٣) أميرَ المؤمنين عمرَ بنَ عبد العزيز - رضي الله عنه -، وسمعته يتكلَّمُ في هذه المسألة، وأظنُّ أنِّي فاوضتُه فيها، وفهمتُ من كلامِه أنَّ التكلُّم بالخير أفضلُ من السُّكوتِ، وأظُنُّ أنَّه وقع في أثناء الكلام ذكرُ سليمان ابن عبد الملك، وأنَّ عمر قال ذلك له، وقد رُويَ عن سليمانَ بن عبد الملك أنَّه قال: الصمت منامُ العقل، والمنطقُ يَقظَتُهُ (٤)، ولا يتمُّ حالٌ إلا بحالٍ، يعني: لابدَّ من الصَّمت والكلام.

وما أحسنَ ما قال عُبيدُ الله بن أبي جعفر فقيه أهل مصر في وقته، وكان أحدَ الحكماء: إذا كان المرءُ يحدِّث في مجلسٍ، فأعجبه الحديثُ فليسكتْ، وإذا كان ساكتاً، فأعجبه السكوتُ، فليُحدِّث (٥)،

وهذا حسنٌ فإنَّ من كان كذلك، كان سكوتُه وحديثُه لمخالفة هواه وإعجابه بنفسه، ومن كان كذلك، كان جديراً بتوفيق الله إيَّاه وتسديده في نطقه وسكوته؛ لأنَّ كلامَه وسكوتَه يكونُ لله - عز وجل -.

وفي مراسيل الحسن، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربِّه - عز وجل - قالَ: «علامة الطُّهر أنْ يكونَ قلبُ العبد عندي معلَّقاً، فإذا كانَ كذلك لم ينسني على حال، وإذا كانَ كذلك مننتُ عليهِ بالاشتغال بي كي لا ينساني، فإذا نسيني حرَّكتُ قلبهُ، فإنْ تكلّم،


(١) سقطت من (ص).
(٢) عبارة: «عند ذلك» سقطت من (ص).
(٣) عبارة: «في المنام» سقطت من (ص).
(٤) أخرجه: ابن الدنيا في " الصمت " (٦٩٦).
(٥) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " الصمت " (٩٧) و (٢٦٩).

<<  <   >  >>