للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال الفضيلُ في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (١)، قال: أخلصُه وأصوبُه. وقال: إنَّ العملَ إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً، لم يقبل، وإذا كان صواباً، ولم يكن خالصاً، لم يقبل حتّى يكونَ خالصاً صواباً، قال: والخالصُ إذا كان لله - عز وجل -، والصَّوابُ إذا كان على السُّنَّة (٢).

وقد دلَّ على هذا الذي قاله الفضيلُ قولُ الله - عز وجل -: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (٣).

وقال بعضُ العارفينَ: إنَّما تفاضَلُوا بالإرادات، ولم يتفاضَلُوا بالصَّوم والصَّلاة.

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: «فَمَنْ كانت هجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِه، فهجرتُهُ إلى الله ورسولِهِ، وَمَنْ كانت هجرتُه إلى دنيا يُصيبُها، أو امرأةٍ ينكِحُها، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه».

لما ذكر - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الأعمالَ بحسبِ النِّيَّاتِ، وأنَّ حظَّ العاملِ من عمله نيَّتُه مِنْ خيرٍ أو شرٍّ، وهاتانِ كلمتانِ جامِعتانِ، وقاعِدَتانِ كلِّيَّتانِ، لا يخرُجُ عنهما شيءٌ، ذكر بعدَ ذلك مثالاً من أمثال الأعمال التي صُورتُها واحدةٌ، ويختلِفُ صلاحُها وفسادُها باختلافِ النِّيَّاتِ، وكأنَّه يقول: سائرُ الأعمالِ على حَذوِ هذا المثال.

وأصلُ الهجرةِ: هِجرانُ بلدِ الشِّرك، والانتقالُ منه إلى دارِ الإسلام، كما كانَ المهاجرونَ قَبلَ فتحِ مكَّة يُهاجرون منها إلى مدينة (٤) النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد هاجرَ مَنْ هاجَرَ منهم قبلَ ذلك إلى أرض الحبشة إلى النَّجاشيِّ.

فأخبرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ هذه الهجرةَ تختلفُ باختلافِ النيات والمقاصدِ بها (٥)، فمن هاجَرَ إلى دار الإسلام حُبّاً لله ورسولِهِ، ورغبةً في تعلُّم دينِ الإسلام، وإظهارِ دينِه حيث كان يعجزُ عنه في دارِ الشِّركِ، فهذا هو المهاجرُ إلى الله ورسوله حقاً، وكفاه شرفاً وفخراً أنَّه حصل له ما نواه من هجرتِهِ إلى الله ورسوله.


(١) الملك: ٢.
(٢) ذكره البغوي في " تفسيره " ٥/ ١٢٤ - ١٢٥.
(٣) الكهف: ١١٠.
(٤) سقطت من (ص).
(٥) سقطت من (ص).

<<  <   >  >>