للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال طائفةٌ من العلماء: إنَّ كلمة التوحيد سببٌ مقتضٍ لدخول الجنَّة وللنجاة مِنَ النَّارِ، لكن له شروطٌ، وهي الإتيانُ بالفرائضِ، وموانعُ وهي إتيانُ الكبائر. قال الحسن للفرزدق: إنَّ لـ «لا إله إلا الله» شروطاً، فإيَّاكَ وقذفَ المحصنة (١). ورُوي عنه أنَّه قال: هذا العمودُ، فأين الطُّنُبُ (٢)، يعني: أنَّ كلمةَ التوحيد عمودُ الفسطاط، ولكن لا يثبتُ الفسطاطُ بدون أطنابه، وهي فعلُ الواجبات، وتركُ المحرَّمات.

وقيل للحسن: إنَّ ناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنَّة، فقال: من قال: لا إله إلا الله، فأدَّى حقَّها وفرضها، دخلَ الجنَّةَ (٣).

وقيل لوهب بنِ مُنبِّه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة؟ قال: بلى؛ ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتح لك، وإلاَّ لم يفتح لك (٤).

ويشبه هذا ما رُوِيَ عن ابنِ عمر: أنَّه سُئِلَ عن لا إله إلا الله: هل يضرُّ معها عملٌ، كما لا ينفع مع تركها عملٌ؟ فقالَ ابن عمر: عش ولا تغتر (٥).

وقالت طائفةٌ - منهم: الضحاكُ والزهري -: كانَ هذا قبلَ الفرائض والحدود (٦)، فمِنْ هؤلاء مَنْ أَشار إلى أنَّها نُسِخَتْ، ومنهم من قالَ: بل ضُمَّ إليها شروطٌ زيدت عليها، وزيادة الشرط هل هي نسخ أم لا؟ فيه خلاف مشهور بين الأصوليين، وفي هذا كلِّه نظرٌ، فإنَّ كثيراً مِنْ هذه الأحاديث متأخر بعدَ الفرائض والحدود.

وقال الثوري: نسختها الفرائضُ والحدودُ، فيحتمل أنْ يكونَ مرادُه ما أراده هؤلاء، ويحتمل أنْ يكون مرادُه أنَّ وجوبَ الفرائض والحدود تبين بها أنَّ عقوبات


(١) ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " ٤/ ٥٨٤.
(٢) الطنب: جمعها أطناب وطنبة، قال ابن سيده: الطنب حبل طويل يشد به البيت والسرادق بين الأرض والطرائق، وقيل: «هو الوتد». انظر: لسان العرب ٨/ ٢٠٥ (طنب).
(٣) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي ١/ ٢٠٠.
(٤) أخرجه: البخاري في " التاريخ الكبير " ١/ ٩٨ (٢٦١)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " ٤/ ٦٦.
(٥) أخرجه: معمر في " جامعه " (٢٠٥٥٣)، وعبد الله بن المبارك في " الزهد " (٩٢٣)، وابن الجعد في " مسنده " (٣٣٨١)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " ١/ ٣١١.
(٦) انظر في ذلك: الزهد لعبد الله بن المبارك (٩٢١)، وشرح صحيح مسلم للنووي ١/ ٢٠٠.

<<  <   >  >>