للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدنيا لا تسقُطُ بمجرَّدِ الشهادتين، فكذلك عقوباتُ الآخرة، ومثل هذا البيان

وإزالة الإيهام كان السَّلفُ يُسَمُّونه نسخاً، وليس هو بنسخ في الاصطلاح

المشهور.

وقالت طائفة: هذه النصوص المطلقة جاءت مقيدة بأنْ يقولها بصدقٍ وإخلاصٍ، وإخلاصُها وصدقُها يمنع الإصرارَ معها على معصية (١).

وجاء من مراسيل الحسن، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «من قال: لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنَّة» قيل: وما إخلاصها؟ قال: «أنْ تحجُزَكَ عمَّا حرَّم الله» (٢). وروي ذلك مسنداً من وجوه أخرَ ضعيفة (٣).

ولعل الحسن أشار بكلامه الذي حكيناه عنه من قبلُ إلى هذا فإنَّ تحقق القلب بمعنى «لا إله إلا الله» وصدقه فيها، وإخلاصه بها يقتضي أنْ يرسخَ فيه تألُّهُ الله وحده، إجلالاً، وهيبةً، ومخافةً، ومحبَّةً، ورجاءً، وتعظيماً، وتوكُّلاً، ويمتلئَ بذلك، وينتفيَ عنه تألُّه ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك، لم يبقَ فيه محبَّةٌ، ولا إرادةٌ، ولا طلبٌ لغير ما يُريدُهُ الله ويحبُّه ويطلبه، وينتفي بذلك مِنَ القلب جميعُ أهواءِ النُّفوس وإراداتها، ووسواس الشيطان، فمن أحب شيئاً وأطاعه، وأحبَّ عليه وأبغض عليه، فهو إلههُ، فمن كان لا يحبُّ ولا يبغضُ إلا لله، ولا يُوالي ولا يُعادي إلا له، فالله إلههُ حقاً، ومن أحبَّ لهواه، وأبغض له، ووالى عليه، وعادى عليه، فإلهه هواه، كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (٤) قالَ


(١) انظر: شرح صحيح مسلم ١/ ٢٠٠ و ٢٠١.
(٢) لم نقف عليه في مظانه. وذكره الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " ٣/ ١٦، والقرطبي في " تفسيره " ١٠/ ٦٠.
وقد روي هذا الحديث عن زيد بن أرقم مرفوعاً مسنداً.
أخرجه: الطبراني في " الكبير " (٥٠٧٤)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " ٩/ ٢٥٤.
(٣) في إسناده الهيثم بن جماز. سئل عنه أحمد بن حنبل فقال: «كان منكر الحديث ترك
حديثه»، وعن يحيى بن معين قال: «كان قاصاً بالبصرة ضعيف»، وعن أبي حاتم الرازي قال: «ضعيف الحديث منكر الحديث»، وعن أبي زرعة قال: «ضعيف».

انظر: الجرح والتعديل ٩/ ١٠٢ (٣٣٠).
وأخرجه: الطبراني في " الأوسط " (١٢٥٧)، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمان بن غزوان. قال عنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ١/ ١٨: «وضاع».
(٤) الجاثية: ٢٣.

<<  <   >  >>