للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

السَّماءِ والأرض»، وهذه الروايةُ أشبه، وهل المرادُ أنَّهما معاً يملآن ما بينَ السماء والأرض، أو أنَّ كلاً منهما يملأُ ذلك؟ هذا محتمل (١). وفي حديث أبي هريرة والرجلِ الآخر أنَّ التكبير وحدَه يملأُ ما بينَ السَّماءِ والأرض.

وبكلِّ حال فالتسبيح دونَ التحميد في الفضل كما جاء صريحاً في حديث عليٍّ وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، والرجل من بني سُليمٍ: أنّ التسبيح نصفُ الميزان، والحمد لله تملؤه، وسببُ ذلك أنَّ التحميدَ إثباتُ المحامد كلِّها لله، فدخل في ذلك إثباتُ صفاتِ الكمال ونعوتِ الجلال كلِّها، والتسبيحُ هو تنزيه اللهِ عن النقائص والعيوب والآفات (٢)، والإثباتُ أكملُ من السلب، ولهذا لم يرد التسبيحُ مجرَّداً، لكن مقروناً بما يدلُّ على إثبات الكمال، فتارةً يُقرَنُ بالحمد، كقولِ: سبحان الله وبحمده، وسبحان الله والحمد لله،

وتارة باسمٍ من الأسماء الدَّالَّةِ على العظمة والجلال، كقوله: سبحان الله العظيم، فإنْ كان حديثُ أبي مالكٍ يدلُّ على أنَّ الذي يملأُ ما بَيْنَ السَّماء والأرض هو مجموعُ التسبيح والتكبير، فالأمرُ ظاهر، وإنْ كان المراد أنَّ كلاً منهما يملأُ ذلك، فإنَّ الميزان أوسعُ مما بينَ السَّماء والأرض، فما يملأ الميزانَ هو أكبر ممَّا يملأ ما بينَ السَّماء والأرض، ويدلُّ عليه أنَّه صحَّ عن سلمانَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: يُوضعُ الميزانُ يوم القيامة، فلو وُزِنَ فيه السماواتُ والأرضُ لوسعت، فتقولُ الملائكة: يا ربِّ لمن تزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئتُ من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك. وخرَّجه الحاكم مرفوعاً وصححه (٣)، ولكن الموقوف (٤) هو المشهور.

وأمَّا التكبيرُ، ففي حديث أبي هريرة والرجل من بني سُليمٍ: أنَّه وحده يملأ ما بين السماوات والأرض، وفي حديث عليٍّ أنَّ التكبير مع التهليل يملأ السماوات والأرض وما بينهن.


(١) قال السندي: «بالإفراد، أي: كل منهما أو مجموعهما، وفي بعض النُّسخ يملأن بالتثنية، والظاهر أنَّ هذا يكون عند الوزن». حاشية السندي في سنن النسائي ٥/ ٦.
(٢) قال السندي: «التسبيح هو التنزيه عن جميع ما لا يليق بجنابه الأقدس». حاشية السندي ٣/ ٧٨.
(٣) في " المستدرك " ٤/ ٥٨٦.
(٤) أخرجه: عبد الله بن المبارك في " الزهد " (١٣٥٧).

<<  <   >  >>