للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه هذا أنَّ قِصَرَ الأملِ يُوجِبُ محبَّةَ لقاء الله بالخروج من الدُّنيا، وطول الأمل يقتضي محبَّةَ البقاءِ فيها، فمن قصُرَ أملُه، فقد كره البقاء في الدُّنيا، وهذا نهاية الزُّهد فيها، والإعراض عنها، واستدل ابنُ عيينة لهذا القول بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} إلى قوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} (١).

وروى ابن أبي الدُّنيا بإسناده عن الضَّحَّاك بن مزاحم قال: أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ، فقال: يا رسول الله، مَنْ أزهدُ النَّاسِ؟ فقال: «من لم ينسَ القبرَ والبِلى، وترك أفضلَ (٢) زينة الدُّنيا، وآثرَ ما يبقى على ما يفنى، ولم يعدَّ غداً مِنْ أيَّامه وعدَّ نفسه من الموتى» (٣) وهذا مرسل.

وقد قسَّم كثيرٌ مِنَ السَّلفِ الزُّهدَ أقساماً: فمنهم من قال: أفضل الزُّهدِ: الزُّهدُ في

الشِّركِ، وفي عبادةِ ما عُبِدَ من دُونِ الله، ثمَّ الزُّهدُ في الحرام كلِّه من المعاصي، ثمَّ الزُّهدُ في الحلال، وهو أقلُّ أقسام الزهد، فالقسمان الأولان من هذا الزهد، كلاهما واجبٌ، والثَّالث: ليس بواجبٍ، فإنَّ أعظمَ الواجبات: الزُّهد في الشِّركِ، ثم في المعاصي كلِّها (٤). وكان بكرٌ المزنيُّ يدعو لإخوانه: زهَّدنا الله وإياكم زُهْدَ مَنْ أمكنه الحرام والذنوب في الخلوات، فعلم أنَّ الله يراه فتركه.

وقال ابنُ المبارك: قال سلام بن أبي مطيع: الزُّهد على ثلاثة وجوه:

واحد: أنْ يُخْلِصَ العمل لله - عز وجل - والقول، ولا يُراد بشيء منه الدُّنيا.

والثاني: تركُ ما لا يصلُحُ، والعمل بما يصلح.

والثالث: الحلال أنْ يزهدَ فيه وهو تطوُّعٌ، وهو أدناها (٥).


(١) البقرة: ٩٤ - ٩٦.
(٢) سقطت من (ص).
(٣) أخرجه: ابن أبي شيبة (٣٤٣١٨) من طريق الضَّحاك بن مزاحم، مرسلاً فهو ضعيف لإرساله.
(٤) انظر: الفوائد لابن القَيَّم: ١٤٦.
(٥) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٦/ ١٨٨.

<<  <   >  >>