للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في اجتهاده، وأمَّا هذا التَّابعُ، فقد شابَ انتصارَه لما يظنُّه الحقَّ إرادة علوِّ متبوعه، وظهور

كلمته، وأنْ لا يُنسَبَ إلى الخطأ، وهذه دسيسةٌ تَقْدَحُ في قصد الانتصار للحقِّ، فافهم هذا، فإنَّه فَهْمٌ عظيم، والله يهدي مَنْ يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

وقوله: «ولا تدابروا» قال أبو عبيد: التَّدابر: المصارمة والهجران، مأخوذ من أن يُولِّي الرَّجلُ صاحبَهُ دُبُرَه (١)، ويُعرِض عنه بوجهه، وهو التَّقاطع.

وخرَّج مسلم (٢) من حديث أنسٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لا تحاسدُوا، ولا تَبَاغَضُوا، ولا تَقَاطعُوا، وكونوا عِبادَ الله إخواناً كما أمركُم الله». وخرَّجه (٣) أيضاً بمعناه من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

وفي " الصحيحين " (٤) عن أبي أيوب، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يهجرَ أخاه فوق ثلاثٍ، يلتقيان، فيصدُّ هذا، ويصدُّ هذا، وخيرُهما الَّذي يَبدأ بالسَّلام».

وخرَّج أبو داود (٥) من حديث أبي خراش السُّلميِّ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «مَنْ هَجر أخاه سنةً، فهو كسفكِ دمه».

وكلُّ هذا في التَّقاطع للأمورِ الدُّنيويَّة،

فأمَّا لأجلِ الدِّين، فتجوزُ الزِّيادةُ على الثلاثِ (٦)، نصَّ عليه الإمام أحمدُ، واستدلَّ بقصَّةِ الثَّلاثةِ الَّذينَ خُلِّفوا، وأمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بهجرانهم لمَّا خاف منهمُ النِّفاق، وأباح هِجران أهلِ البدع المغلَّظة والدعاة إلى الأهواء، وذكر الخطابي أنَّ هِجران الوالدِ لولده، والزَّوج لزوجته، وما كان في معنى ذلك تأديباً تجوزُ الزِّيادة فيه على الثَّلاث؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - هجر نساءه شهراً (٧).


(١) انظر: لسان العرب (دبر).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) صحيح البخاري ٨/ ٢٦ (٦٠٧٧) و ٨/ ٦٥ (٦٢٣٧)، وصحيح مسلم ٨/ ٩ (٢٥٦٠)
(٢٥).
(٥) في " سننه " (٤٩١٥)، وقد أخرجه: ابن سعد في " الطبقات " ٧/ ٥٠٠، أحمد في
" المسند " ٤/ ٢٢٠، والبخاري في " الأدب المفرد " (٤٠٤)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (٦٦٣١)، وهو حديث صحيح.
(٦) انظر: التمهيد ٦/ ١٢٧.
(٧) انظر: معالم السنن ٤/ ١١٤.

<<  <   >  >>