=...تبارك وتعالى، فكلما ضاقت قلوبهم عن الإيمان بصفة من صفاته عز وجل سلطوا عليها معاول التأويل والهدم، فأنكروها، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} متجاهلين تمام الآية: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] ، فهي قد جمعت بين التنزيه، والإثبات، فمن أراد السلامة في عقيدته فعليه أن ينزه الله تعالى عن مشابهته للحوادث، دون تأويل أو تعطيل، وأن يثبت له عز وجل من الصفات كل ما أثبته لنفسه في كتابه أو حديث نبيه دون تمثيل، وهذا هو مذهب السلف وعليه المصنف رحمه الله تبعاً لأبي حنيفة وسائر الأئمة، كما تراه مفصلاً في الشرح، {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:٩٠] . (ن) (٢) ...أ) قوله ((قديم)) يوصف سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك كما ذكره ابن القيم في البدائع؛ وباب الإخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية؛ وأهل العلم لم يذكروا لفظة القديم في الأسماء الحسنى، ولكنهم يخبرون عنه سبحانه بذلك قال في النونية: ... وهو القديم فلم يزل بصفاته...متوحداً بل دائم الإحسان (م) ب) قوله (قديم بلا ابتداء)
هذا اللفظ لم يرد في أسماء الله الحسنى كما نبه عليه الشارح رحمه الله وغيره وإنما ذكره كثير من علماء الكلام ليثبتوا به وجوده قبل كل شيء وأسماء الله توقيفية لا يجوز إثبات شيء منها إلا بالنص من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة ولا يجوز إثبات شيء منها بالرأي كما نص على ذلك أئمة السلف الصالح، ولفظ القديم لا يدل على المعنى الذي أراده أصحاب الكلام لأنه يقصد به في اللغة العربية المتقدم على غيره وإن كان مسبوقاً بالعدم كما في قوله سبحانه: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:٣٩] وإنما يدل على المعنى الحق بالزيادة التي ذكرها المؤلف وهو قوله: (قديم بلا ابتداء) ولكن لا ينبغي عده في أسماء الله الحسنى لعدم ثبوته من جهة النقل ويغني عنه اسمه سبحانه الأول كما قال عز وجل: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد:٣] والله ولي التوفيق. (ز) ج) اعلم أنه ليس من أسماء الله تعالى: (القديم) ، وإنما هو من استعمال المتكلمين فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن – هو المتقدم على غيره فيقال: هذا قديم للعتيق، وهذا جديد للحديث، ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:٣٩] والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم، وإن كان مسبوقاً بغيره كما حققه شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (١/٢٤٥) والشارح في ((شرحه)) ، لكن أفاد الشيخ ابن مانع هنا فيما نقله عن ابن القيم في ((البدائع)) أنه يجوز وصفه سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك، وباب الأخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية. قلت: ولعل هذا هو وجه استعمال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوصف في بعض الأحيان، كما سيأتي فيما علقته على الفقرة (٤٥) . (ن)