والاختيار هو ما ذهب إليه الكوفيون؛ لأن ليس فعل لا يتصرف، والفعل إنما يتصرف عمله إذا كان متصرفا في نفسه، وإذا لم يكن متصرفا في نفسه لم يتصرف عمله، وأما قولهم أنه كما جاز تقديم خبرها على اسمها جاز تقديم خبرها عليها ففاسد لأن تقديم خبرها على اسمها لا يخرجه على كونه متأخرا عنها وتقديم خبرها عليها يوجب كونه متقدما عليها. وليس من الضرورة أن يعمل الفعل فيما يعده ويجب أن يعمل فيما قبله، ثم نقول إنما جاز تقديم خبرها على اسمها لأنها أضعف من (كان) لأنها تتصرف ويجوز تقديم خبرها عليها وأقوى من (ما) لأنها حرف ولا يجوز تقديم خبرها على اسمها فجعل لها منزلة بين منزلتين فلم يجز تقديم خبرها عليها نفسها لتنحط عن درجة (كان) ويجوز تقديم خبرها على اسمها لترتفع عن درجة (ما).
لم جاز قولنا (ما كان زيد إلا قائمًا)، ولم يجز قولنا (ما زال زيد إلا قائمًا)؟
لأن (إلا) إذا دخلت في الكلام أبطلت معنى النفي، فإذا قلت: ما كان زيد إلا قائمًا، كان التقدير فيه: كان زيد قائمًا. وإذا قلت: ما زال زيد إلا قائماً، صار التقدير: زال زيد قائمًا، وزال لا تستعمل إلا بحرف النفي؛ فلما كان إدخال حرف الاستثناء يوجب إبطال معنى النفي وكان يجوز استعمالها من غير حرف النفي وزال لا يجوز استعمالها إلا بحرف النفي جاز قولنا:(ما كان زيد إلا قائمًا)، ولم يجز قولنا:(ما زال زيد إلا قائمًا).
يقول الشاعر:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة = على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا
فالخبر: قوله على الخسف، وتقديره: ما تنفك على الخسف إلا أن تناخ أو نرمي بها بلداً قفراً.