واعلم أن المطالعة علم يعرف به مراد المحرر بتحريره وغايته الفوز بمراده حقا والسلامة عن الخطأ والتخطئة باطلا. وموضوعه المحرر من حيث هو. فإذا أردت الشروع في المطالعة وهو صرف الفكر في مبحث ليتجلى معناه فانظر وتأمل في المبحث مبتدئا من أوله منتهيا إلى آخره نظرا إجماليا لكن ينبغي أن يكون ذلك النظر على وجه ينتقش في ذهنك جملة المعنى المراد منه فإن انتقش في النظر الأول فذاك وإلا فذلك إما لخفاء في اللغة أو لغط أو لسهو أو لنسيان من النساخ بحذف أو زيادة أو قلب أو تصحيف أو لتعقيد أو لقصور فيك فراجع في الأول إلى كتب اللغة أو إلى من عنده علمها وفي الثاني والثالث والرابع إلى نسخة أصح منها وأما في الأخيرين فانظر نظرا ثانيا أو ثالثا فصاعدا حتى ينتقش المراد ثم بعد الانتقاش لاحظ الأمور التصورية من كل قضية منه أولا فأولا على الترتيب بدقة النظر في تلك الملاحظة واستبصر في كل من تلك الأمور هل يرد على واحد منها أمر من الأمور القادحة فيها أم لا والمراد بالورود ههنا التوجه الذي هو أعم منه وبعد ظهور ذلك الأمر من القوادح استبصر ثانيا هل يمكن دفع ذلك الأمر منها أم لا وبعد ظهر الدافع ثالثا هل يمكن دفع ما يدفع ذلك الدافع أم لا وهكذا إلى حيث يتوطن الذهن وآية التوطن اختبار بتثنية النظر وتثليثه فصاعدا على حسب المقام وبعد الفراغ من تلك الملاحظة لاحظ الأمور التصديقية أيضا بدقة النظر واستبصر في لك منها هل يتوجه على واحد منها شيء من الأشياء التي يقدح فيها أم لا. وبعد ظهور شيء من القوادح استبصر ثانيا هل يسوغ ويمكن التقصي عنها أم لا. وبعد ظهور التقصي عنها ثالثا هل يمكن التقصي عن ذلك التقصي أم لا. وهكذا إلى حيث يحصل التوطن وآيته ههنا آيته هناك. وبعد الفراغ عن تينك الملاحظتين لا حظ الأمور القادحة الموردة التي أوردها عليها١ مورد سواء كانت محررة في شرح أو حاشية أولا والغرض من هذه الملاحظة أن يظهر لك هل هي متوجهة كما هو في زعم المورد أم لا. فإن ظهرت غير متوجهة أصلا فلا تلتفت إليها إلا أن يكون المورد عظيم الشأن معتقد الكل أو الأكثر فهناك القصور فيك لا فيه فتوقف حينئذ واختبر نظرك بتكريره مرة بعد أخرى. ثم بالمطارحة مع الأقران ثم بالعرض على المشائخ والأستاذين فإن أزاحوا شبهتك فذاك وإلا فالتسليم والإحالة إلى وقت فتحه تعالى وإلا فاستبصر في دفعها هل هو ممكن أو لا. وبعد ظهور الدافع يمكن دفع ما يدفعه أم لا. وهكذا إلى حصول التوطن فإذا نظرت في المبحث من أوله إلى آخره على هذا الوجه المذكور فلا يخلو حالك عن أحد هذه الأمور الثلاثة:
إما أن لا تكون أنت واجدا ومصيبا لشيء من القوادح أصلا فعدم الوجدان والإصابة إما لقصور ذهنك عن إدراكه أو لعدمه لكمال من حرره في التحرير بحيث لا يتطرق إليه قدح ولا نقص أصلا أو لوقوع تحريره هذا كاملاً.
وإما أن تكون أنت واجد الشيء من الأشياء الواردة القادحة المدفوعة التي دفعها الناس أو أمكن دفعها.
١ في هامش الأصل التعليق: "الضمير إما لمطلق الأمور تصورية كانت أو تصديقية أول للأخير فقط وهو الظاهر وترك التعرض لها هناك اكتفاء بها ههنا ولم يعكس مع أن الأغلب الاكتفاء بالسابق عن اللاحق لأن التصديقية مقاصد وأكثر بحثاً وايرداً بالنسبة إلى الأخرى" "منه".