كتاب التنصير عبر الخدمات التفاعلية لشبكة المعلومات العالمية

تمهيد: بث الشبهات؛ أولى الخطوات التنصيرية - المطلب الأول: تعريف الشبهة لغة واصطلاحا - ص: 194

بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (١).

قال ابن سعدي (٢) - - رحمه الله - في تفسيرها: «فوبخهم -أي المولى سدد خطاكم- على لَبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق، لأنهم بهذين الأمرين يُضلون من انتسب إليهم، فإنَّ العلماء إذا لبَّسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهماً، وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوامُّ الذين

يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه» (٣).

وفي فتح القدير: «ولَبْسُ الحق بالباطل: خَلْطُهُ بما يعتمدونه من التَّحريف» (٤).

وقد بيّن الله تعالى أنّ هذا المسلك هو صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فهم يعمدون إلى الملتبس في ظاهره، ويتركون الواضح الجليَّ، فتنةً للنّاس عن الهدى.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (٥).

ولابن كثير (٦) - - رحمه الله - كلام قيم في التعليق على هذه الآية؛ حيث يقول: «يخبر تعالى أنّ في القرآن آياتٍ محكماتٍ هنّ أُمّ الكتاب، أي بيناتٍ واضحاتِ الدلالة، لا التباسَ فيها على أحد من النّاس.

---

(١) سورة آل عمران، الآية ٧١.
(٢) هو عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي، المفسر والفقيه الحنبلي. ولد بعنيزة سنة ١٣٠٧هـ ومات بها سنة ١٣٧٦هـ. له العديد من المؤلفات، أشهرها التفسير. انظر: الأعلام، الزركلي ٣/ ٣٤٠.
(٣) انظر: تفسير ابن سعدي، ص١٣٤.
(٤) انظر: فتح القدير، الشوكاني، ص٢٩٣.
(٥) سورة آل عمران، الآية ٧.
(٦) هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، الحافظ المفسر المؤرخ الفقيه. ولد سنة ٧٠١هـ وتوفي بدمشق سنة ٧٧٤هـ. له: تفسير القرآن العظيم- البداية والنهاية- اختصار علوم الحديث- الفصول في اختصار سيرة الرسول. انظر: الأعلام، الزركلي ١/ ٣٢٠.