للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عجزه، ومن ثمّ الاستعلاء عليه وتشكيكه في يقينياته الأساسيّة.

ويستفاد فيها من القدرات البيانيّة التي ميّز الله بها بعض النّاس؛ فيكون لأسلوبهم فعل السحر في التأثير على النفوس، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنّما أنا بشر، وإنّكم تختصمون إليّ، ولعلَّ بعضكم أن يكونَ ألحنَ بحجته من بعض، وأقضيَ له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقِّ أخيه شيئاً فلا يأخذْ، فإنّما أقطعُ له قطعةً من النّار) (١). ولما جاء رجلان من المشرق فخطبا؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ مِنَ البيان لسحرا) (٢).

وقد يملك المحاوَر الرد فيُمنع من إتمام إلقاء حجته، وذلك لأنّ مالك غرفة المحادثة لديه صلاحية توزيع وقت الحوار فيها، ولو كان ذلك على سبيل الإجحاف والظلم؛ الذي يدفع إليه مخافة ظهور حجة الخصم.

وتُستغل في هذه الغرف إمكانات التأثير الصوتي التي يحسنها البعض، من رفع الصوت وخفضه، وسرعة الإلقاء وإبطائه، وتمثيل المشاعر المختلفة من تهكم أو فرح أو حزن أو تعجب أو غضب أو رضى أو غير ذلك.

كما يستفاد فيها من رجع الصدى الفوري، أي التجاوب الآني من المحادَث، بالإضافة إلى أنّه قد لا يكون مستعداً للمحاورة، أو ممتلكاً للحصيلة العلمية التي تدفع عنه الشبه والمطاعن، وفي كل الأحوال لا تكون لديه فسحةٌ لمراجعة ما يلقى عليه.

ثانياً: اتخاذ ما يمكن تسميته بأسلوب الغمر (٣)، وذلك بإيراد الطعون المتكاثرة حول كل ما يتعلق بالقرآن الكريم، لكي يتسرب إلى عقل القارئ بشكل غير مباشر أنّ القرآنَ كلَّه مثالبُ ومطاعن، لا يبقى معها منه شيء صاف عند التحقيق.


(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم، ح٧١٦٩، ص١٧٧١، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، ح١٧١٣، ٢/ ٨١٨.
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الخطبة، ح٥١٤٦، ص١٣١٢، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، ح٨٦٩، ١/ ٣٨٦.
(٣) الغمر في اللغة: التغطية والسَّتْر، ومنه سمي الماء الكثير غمراً لأنّه يستر ما تحته. ويقال دخل في غمار النّاس، أي زحمتهم، حيث يستر بعضهم بعضاً. انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/ ٣٩٢ - ٣٩٣. وهذه المفردة موافقة لصنيع أصحاب هذا المنهج، حيث يسترون كل محاسن القرآن الكريم ويغطونها بلباس الشبه والتشويه.

<<  <   >  >>