للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الثالث: تقدم في المطلب الأول (١) بيان أنّ دينَ الله واحدٌ من لدن آدم - عليه السلام - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنَّ رسل الله تعاقبت وكتبه تتالت في سياق الدعوة إلى التوحيد والطاعة ونبذ الشرك والمعاصي، وأنّ الشرائع اختلفت لحكم أرادها الحكيم العليم.

وعلى هذا فلا يَتصور ذو عقل أنه إذا أتى في القرآن الكريم شيء مما في كتب الله السابقة كان ذلك مطعناً ومأخذاً. بل ما كان من قصص الأنبياء مع أقوامهم، أو غيرها من الأخبار؛ لو ورد في كتاب ثم تكرر في القرآن، لكان وروده في القرآن على وجه المطابقة التامّة متى جزمنا بخلو الخبر الأول من التحريف، ووصوله إلينا كما أُنزل.

بل إنَّ القرآن ينص صراحة على تكرار معان في كتب سبقته، وذلك كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (٢)، وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (٣)، وقوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} (٤).

وعليه؛ فإنّ الطّعن في القرآن الكريم لورود أمرٍ فيه سَبَقَ ذكره في التوراة أو الإنجيل أو الزّبور أمرٌ غيرُ مُسلَّم.

الأمر الرابع: بأيِّ وجهٍ يُقبل ادّعاءُ تصديقِ القرآنِ الكريمِ لكثيرٍ من العقائدِ النّصرانيّة وقد جاء فيه التّصريح بكفر معتقدها في غير موضع، في آيات محكمات.

فمن ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (٥).


(١) انظر صفحة ٢٠٧
(٢) سورة الأنبياء، الآية ١٠٥.
(٣) سورة الأعلى، الآيتين ١٨، ١٩.
(٤) سورة النجم، الآيات ٣٦ - ٤٠.
(٥) سورة المائدة، من الآية ١٧.

<<  <   >  >>