للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعندما تهدف قصص التوراة والإنجيل لمجرد السرد التاريخي؛ تجمع القصص القرآنية أهدافاً سامية، كالاستدلال على التوحيد، وتثبيت الرسول والمؤمنين، والفصل في مواضع الاختلاف، والعظة والاعتبار، والحجة والإقناع، وإظهار قدرة الله تعالى.

وينفرد القرآن بقصص لم تذكر في غيره، كقصة صالح وشعيب وهود والخضر وذي القرنين، إضافةً إلى التفاصيل الجزئيّة داخل القصص التي أوردتها الكتب الأخرى.

وعندما يكرر القرآن قصةً وردت في التوراة والإنجيل فإنّه لا يكرر ما فيها من أخطاء كتبتها يد التحريف، بل يصححها بحقائق أتت مكتشفات علماء الآثار والحفريات والعلم الحديث بتأييدها (١).

وأمّا تفاصيل ما سيق من مطاعن في تفصيلات بعض قصص القرآن فبيانه كالتّالي:

أمّا تعليم آدمَ الأسماء كلها فهو خبرٌ من الله تعالى لم يرد تفصيله، فيوقن المسلم بصدقه، ولا يخوض في تكلف المراد بهذه الأسماء، موقناً بقدرة الله على كل شيء. ولعل الله - جل جلاله - ألقى في قلب آدم - عليه السلام - علمَ مسميات الأشياء. ونظيرُ ذلك في القدرة كثير، ومنه خلق آدم من غير أب أو أم، فالموجد الأشياء من عدم؛ لا يكون إلقاؤه علم مسميات الأشياء في روع أحد من خلقه؛ شيئاً بعيداً.

وأمّا قصة موت نبي الله سليمان - عليه السلام -، فإنّها من أخبار الغيب، ومن مظاهر قدرة الله تعالى، والله على كل شيء قدير. وقد عمّى الله على الجانّ المسخرين لسليمان في الأعمال الشّاقة موته ليتبين للجن والإنس أنّ الجن لا يعلمون الغيب؛ وإلا ما لبثوا في العذاب الشديد مدة موته - عليه السلام - وهو متوكئٌ على منسأته (٢).

على أنّ هذه المدة لم يرد في القرآن والسنة تحديدها.

وليست هذه المعجزة بأكبر من تحويل العصا حيّة، أو تفجير اثنتي عشرة عيناً بضربة


(١) انظر: ماذا يريد الغرب من القرآن لعبد الراضي عبد المحسن، ص١٨٥ - ١٩٧. وتنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين لمنقذ السّقّار، ص٧٠ - ٧١.
(٢) انظر: تفسير ابن كثير ٦/ ٥٠١ - ٥٠٣، والمنسأة هي العصا.

<<  <   >  >>