للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والواقع التطبيقي كرّس هذه الفروق فإنّ المسلمين في فتوحاتهم كانوا قبل القتال يدعون النّاس إلى الدخول في دين الله، فإن أرادوا البقاء على أديانهم طولبوا بدفع الجزية.

ثم كان الفاتحون يتمسكون بالإسلام، ويلتزمون به سلوكاً وعملاً وقولاً، ويُظهرون الفرح والتكبير إذا دخل كافر في الإسلام، ثم يحسنون معاملة أهل الذّمة، فيمكنونهم من البقاءِ على أديانهم، والاستمرارِ في ممارسة مهنهم وتجارتهم وفلاحتهم، مع إلغاء الامتيازات الطبقيّة، وتمكين كل صاحب حق من الحصول على حقه ولو كان خصمُه من المسلمين، بل لو كان أمير البلد.

كل هذا جعل أهل البلاد المفتوحة يقبلون على الإسلام، وإن لم يدخلوا فيه؛ شهدوا شهادة الحق بسماحته وعدله (١).

وأمّا النّصارى فكانت حروبهم على النقيض من ذلك، ولا سيما حروبهم الصليبيّة التي استمرت قرنين من الزمان، من سنة ٤٩٠هـ إلى ٦٩٠هـ، مدفوعةً بالنّزعة الصليبيّة بتحريض البابا أوربان الثاني، ومساعده بطرس النّاسك، ومتوجةً بمنح الجنود غفران الخطايا، وتعليقِهم الصليب الأحمر على الكتف الأيمن.

فلما دخلت الجيوش الصليبية بلاد المسلمين قتلت في أنطاكيةَ قرابة مائة ألف مسلم، وفي القدسِ ما يربو عن سبعين ألف مسلم، وهدّمت المساجد، وحرّقت المصاحف، وانتهكت الأعراض، ولم يفرق النصراني الصليبي بين مقاتل أو مدني في العرف السياسي اليوم (٢).

وفي القرون الوسطى الأوروبية المظلمة أقامت الكنيسة الكاثوليكية محاكم التفتيش لإجبار النّاس على اعتناق الكاثوليكيّة، وفي حقيقة الأمر «لم يكن هناك جهد منظم من قِبَل أي ديانة للتحكم بالنّاس، ولاحتواء روحانياتهم أقوى من محاكم التّفتيش المسيحيّة .. التي


(١) انظر: انتشار الإسلام بالفتوحات الإسلامية زمن الرّاشدين، جميل عبد الله المصري، مجلة الجامعة الإسلاميّة، العددين: الحادي والثمانون، والثاني والثّمانون.
(٢) انظر: الحروب الصليبيّة، أحمد باقر وعبد الله مبارك، ص١٩ - ٢٠.

<<  <   >  >>