للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تشاركِ الآراء والأفكار، أو حتى مجرد التسلية واللعب (١).

ولهذا فإنّه كلما وُجدت لغةُ حديثٍ مشتركة كان بالإمكان -من خلال الخدمات التّفاعليّة- أن يلتقي المنصر بالمدعوين من سائر بلاد العالم، وأن يمارسَ معهم العمل الدعوي وهو في بيته لم يغادره.

رابعاً: أنّ الاتصالَ التفاعليَّ يتسمُ بصفات تأثيريّة لا تكاد توجد في غيره.

فمنها أنّه يتيحُ الحوارَ والنقاش وتبادل الآراء حول سائر الموضوعات، وفي جملتها المعتقدات والشعائر، بحرية كاملة.

ومنها أنّ في بعض أدواته مشابهة للاتصال الشخصي، وذلك في خدمات المحادثة الصوتيّة، التي يتمكن من خلالها المنصِّر من الالتقاءِ بالمدعو مباشرة، وممارسةِ الخطاب الدّعوي معه، وتلقي ردوده ومن ثمّ الإجابة عليها، في صورةِ رجعِ صدى فوري.

وهنا يكون للبيان اللغوي ونبرات الصوت وتعابير الجسد والإشارات أثرها الكبير، وخصوصاً إذا احتوت المحادثة على الخدمات المرئيّة بحيث يرى كل طرفٍ الطّرف الآخر.

ومنها أنّ هذا الاتصال يتم في أماكنَ افتراضيّة يلتقي فيها أتباعُ الأديان والنّحل والمذاهب المختلفة، وكذا أهلُ الإلحاد والزّندقة والمتجردون من كُلِّ معتقد.

وهؤلاء فيهم البسيط الجاهل، وفيهم من أوتي جدلاً ومعرفة بوسائل التأثير في الآخرين وهزّ قناعاتهم. وفيهم القادر على التأثير -كما أسلفنا-، وفيهم القابل للتأثر (٢).


(١) انظر: www.internetevangelismday.com/social-networking.php
(٢) من المسائل المهمة التي تحتاج لتحرير هنا؛ الموقفُ من استخدام الخدمات التفاعليّة؛ محلُّ الدّراسة في هذا البحث. ويمكن تلخيص ذلك في النظر إلى هذه الخدمات باعتبارين. الأول بوصفها وسيلة من الوسائل. وهنا يكون التّوجيه باستخدامها فيما ينفع في الدين والدنيا، وتجنبها فيما لا ينفع. والثّاني بالنّظر إلى المحتوى. فإن كان المحتوى متوافقاً مع الإسلام كان التّوجيه بالاستفادة منه. وإن كان غير متوافق فإنّه يُحذر الدّخول إليه إلا إذا تحصَّن المرء بعلم يدفع عنه الشبهات، ودينٍ يدفع عنه الشهوات، وكان محتاجاً لذلك لغرض صحيح كالدّعوة ونحو ذلك.
وهذا التّحذير من منافذ الخدمات التفاعليّة ذاتِ المحتوى المخالف للإسلام مردُّه أنّ ذلك شكلٌ من أشكال المجالسة والمخالطة، وهو شيء محذور في الفهم الإسلامي، فقد حذّر السلف من مجالسة أهل البدع والأهواء من المسلمين. قال الآجري - - رحمه الله - في كتاب الشّريعة ٢/ ٦٦٦: «ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا -يعني كتاب الشريعة- أن يهجر جميع أهل الأهواء .. وكل من نسبه أئمة السّلف أنه مبتدع بدعة ضلالة .. فلا ينبغي أن يكلم، ولا يسلم عليه، ولا يجالس .. فإن قال قائل: لم لا أناظره وأجادله وأرد عليه قوله؟ قيل له: لا يؤمن عليك أن تناظره وتسمع منه كلاماً يفسد عليك قلبك، ويخدعك بباطله الذي زين له الشيطان فتهلك أنت. إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته وإثبات الحجّة عليه».
ومثله قول الصابوني - - رحمه الله - في عقيدة السّلف وأصحاب الحديث، ص٢٩٨ - ٢٩٩: «ويُبغضون -يعني أهل السنة والجماعة- أهل البدع .. ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرّت بالآذان وقرّت في القلوب ضرّت، وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وقد أنزل الله جل وعلا قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} سورة الأنعام، الآية ٦٨».
فإذا كان هذا النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء من المسلمين؛ فغيرهم من أهل الملل الأخرى من باب أولى، إلا بالضوابط التي ذُكرت.

<<  <   >  >>