الملوك والأمراء يرجعون بأصولهم إلى الذين لا يعرفون الله، ثم يتعالون ويصطنعون العنف والغدر ويرتكبون جميع أنواع الجرائم، ويطالبون بحقهم في حكم من لا يقلون عنهم -أي: الشعب- جشعاً وعماية وعجرفة لا تطاق" (١).
وليس ثمة شك في أن النصر ظل حليف الكنيسة طيلة القرون الوسطى، بسبب سلطتها الروحية البالغة وهيكلها التنظيمي الدقيق واستبدادها المطلق، ولذلك فقد كان البابوات هم الذين يتولون تتويج الملوك والأباطرة، كما كان في إمكانهم خلع الملوك وعزلهم بإرادتهم المحضة، ولم يكن باستطاعة أحد الانفلات من ذلك، ومن رفض الرضوخ فإن حكمه غير شرعي، ومن حق البابوية أن تعلن الحرب الصليبية عليه وتحرم أمته، ولا يعوزنا الاستشهاد على ذلك من التاريخ الأوروبي، فالأمثلة فيه كثيرة، ولعل خير مثال لذلك حادثة الامبراطور الألماني "هنري الرابع" المشهورة مع البابا جريجوري السابع وذلك أن خلافاً نشب بينهما حول مسألة "التعيينات" أو ما يسمى "التقليد العلماني" فحاول الامبراطور أن يخلع البابا، ورد البابا بخلع الامبراطور، وحرمه وأحل أتباعه والأمراء من ولائهم له وألبهم عليه، فعقد الأمراء مجمعاً قرروا فيه أنه إذا لم يحصل الامبراطور على المغفرة لدى وصول البابا إلى ألمانيا، فإنه سيفقد عرشه إلى الأبد، فوجد الامبراطور نفسه كالأجرب بين رعيته، ولم يكن في وسعه أن ينتظر وصول البابا فضرب بكبريائه عرض الحائط، واستجمع شجاعته وسافر مجتازاً جبال الألب والشتاء على أشده، يبتغي المثول بين يدي البابا بمرتفعات كانوسا في تسكانيا وظل واقفاً في الثلج في فناء القلعة ثلاثة أيام، وهو في لباس الرهبان متدثراً بالخيش حافي القدمين عاري