كانت الحياة الاجتماعية في العالم الإسلامي قد انحرفت منذ بضعة قرون، لكن صورة الانحراف لم تبلغ أوجها إلا في مطلع العصر الحديث، حيث أصبح المجتمع في أخلاقه وتقاليده وعاداته ينطلق من منطلقات غير إسلامية، إذ غلبت الأعراف الجاهلية والعواطف المتهورة والعادات المستحدثة على الأخلاق الإسلامية الأصيلة، غير أن الناس بحكم العاطفة الدينية الموروثة، وبما جبلوا عليه من الغيرة على فضائل الخلق، كانوا ينسبون كل قيم وموازين وأعراف مجتمعهم للدين، أو -على الأقل- يلتمسون لها فيه أصولاً، ورسخ ذلك الانحراف المتمسح بالدين حتى أصبح هو الواقع المألوف، الذي كان لدى الناس استعداد للوقوف في وجه من يحاول تغييره سواء أكان مجدداً إسلامياً أم مفسداً أجنبياً، وهم - على أي حال - يبررون موقفهم بالاستناد إلى الدين.
وفي القرن الماضي احتك المجتمع الإسلامي المنحرف بالمجتمع الغربي الشارد عن الدين، ومنذ اللحظة الأولى أحس الغرب - المغرور بتقدمه المادي - بتفوقه الاجتماعي على الشرق الذي -لا شك أنه- كان فيه من الفضائل ما يفتقده الغرب، لكن نظرة الغالب إلى المغلوب لا تسمح بالرؤية الصحيحة عادة، لا سيما والروح الصليبية من ورائها.