قبل أن تبصر نظرية (داروين) النور كان الإيمان المسيحي والأخلاق المسيحية قد تعرضا لضربات قاسية وهزات عنيفة:
تهافت النظرية المسيحية عن الكون، انتقادات سبينوزا وفولتير الشديدة، الثورة الفرنسية وما أصاب الكنيسة على يديها من نكبات، النظرية الآلية (الميكانيكية) المنبثقة عن نظرية نيوتن، الدين الطبيعي الذي نادى به الفلاسفة العقليون، نظرية التطور الفكري كما تخيلها كومت، النجاح الذي صادفه المذهب اللاأدري ومذهب الربوبيين، الجمعيات السرية الهدامة وأفكارها الموبوءة ... وأحداث فكرية واجتماعية لا يظهر أحدها إلا وينهش من جسد الكنيسة نهشة أو يطوح من بنيانها بلبنة أو لبنات.
لكن ذلك كله لم يكن ليسمح لأي مفترض أو متكهن بأن يتنبأ بانهيار كامل للمسيحية قبل قرون عدة، على الأقل، فقد بقيت رغم الطعنات النافذة كياناً قائماً تدعمه عواطف الكثرة الكاثرة من الناس، وتسانده موروثات عميقة الجذور من القيم والمثل والتقاليد.
نعم، لقد تغيرت نظرة الناس إلى المسيحية، لكنها -إلى ذلك الوقت- لم تتغير بالنسبة للتصور الديني في حد ذاته، فقد بقي هذا