التصور سائغاً، بل متأصلاً، بدليل الجهد الذي بذله الفلاسفة لاصطناع دين طبيعي أو دين إنساني كما يدعون.
وتغيرت كذلك نظرية الإنسان إلى الكون وحجمه فيه، لكن نظرته لم تتغير أبداً بالنسبة لإنسانيته وتفرده بوصفه كائناً روحياً متفوقاً على كل الموجودات، إن لم يكن بجسمه فبعقله وروحه.
وتغيرت نظرة الناس إلى حركة التاريخ وخط سير الحياة، ولكن لم يكن في وسع أحد أن يعتقد - أو أن يجاهر - بأنه لا توجد قيم ثابتة ولا أخلاق ثابتة ولا تقاليد ثابتة.
ولقد صدق الناس الكثير مما قاله أعداء الدين، كفولتير وهيوم ودولباخ، ولكنهم إلى الآن يعدون مثل هؤلاء الناس ملاحدة ومجدفين.
وفي سنة (١٨٥٩م) نشر الباحث الإنجليزي (تشارلز داروين) كتابه (أصل الأنواع)(١) فأحدث ضجة لم يحدثها أي مؤلف آخر في التاريخ الأوروبي قاطبة، وكان له من الآثار في المجالات الفكرية والعملية ما لم يكن في الحسبان.
والغرض الذي يدور حوله الكتاب هو افتراض تطور الحياة في الكائنات العضوية من السهولة وعدم التعقيد، إلى الدقة والتعقيد وتدرجها من الأحط إلى الأرقى، وأن الفروق الخلقية داخل النوع الواحد تنتج أنواعاً جديدة مع مرور الأحقاب الطويلة، ولذلك يفترض داروين أن أصل الكائنات العضوية ذات الملايين من الخلايا كائن حقير ذو خلية واحدة.
وحسب قانون (الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب) نمت الأنواع التي استطاعت التكيف مع البيئة الطبيعية ومصارعة الكوارث المفاجئة،