وهكذا بتأثير هذا الفكر اللاديني جسمت الثورة الفرنسية الفكرة الفلسفية القديمة بإقامة مجتمع يرفض القيم والأخلاق الدينية، ويجعل العلاقات النفعية المحضة هي الرباط المقدس الوحيد.
ثانياً: وقوف الكنيسة ضد مطالب الجماهير:
كان من الممكن ألا تعتنق الجماهير المسيحية أفكار الكتاب العلمانيين هؤلاء وتتخلى عن عقيدتها الراسخة، لولا الموقف الشائن الذي وقفته الكنيسة من مطالبهم المشروعة.
ربما كان للكنيسة عذر أو بعض عذر في شكوكها الحائمة حول القائمين على الثورة، لكن الأمر الآن قد أفلت من يدها، فإن هيجان الرعاع الهالكين جوعاً وظلماً لا يسمح لهم بالتروي والأناة في مثل هذه المواقف الصاخبة، وأصبح لزاماً عليها أن تسدد ديون قرون طويلة من الاستغلال البشع والطغيان الجائر.
إن ذهن الفلاح الساذج قد لا يستطيع أن يستوعب شيئاً من أفكار روسو وانتقادات فولتير، لكنه يستطيع بسهولة أن يرى مخازي الكرادلة والقساوسة وفضائحهم وثراءهم الباذخ، لقد رأى بأم عينيه ما عبر عنه توماس جفرسن بقوله:
"إن القسيس في كل بلد وفي كل عصر من أعداء الحرية، وهو دائماً حليف الحاكم المستبد يعينه على سيئاته في نظير حمايته لسيئاته هو الآخر"(١) وكان ذلك مدعاة لأن تصب الجماهير جام غضبها على الكنيسة، وتصرخ خلف " ميرابو": (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس).