للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إدراكه بسهولة لو أن الإنسان الغربي -من أي الفريقين- تخلى عن غروره وتبجحه، ونظر إلى المشكلة نظرة تقييمية مجردة، وذلك أن أي خصمين يملك كل منهما نصف الحقيقة لا يمكن أن ينتصر أحدهما على الآخر انتصاراً نهائياً.

وبتطبيق هذه البدهية على الصراع بين العلم والدين الأوروبيِّين، نجد أن المواقع التي احتلها العلم من مناطق نفوذ الدين هي -في الحقيقة- المواقع التي انتصر فيها العقل واليقين على الخرافة والوهم، كما أن المواقع التي صمد فيها الدين أمام الهجوم العلمي الكاسح هي المواقع التي انتصرت فيها الحقيقة الموحاة على التخرصات والأهواء.

وحينئذ نستطيع أن نقول مطمئنين: إن الحق في كل من الطرفين هو الذي انتصر -أو سينتصر- على الباطل في كليهما، وأنه لو كان الدين الأوروبي حقاً خالصاً والعلم الأوروبي يقيناً مجرداً لما حدثت معركة على الإطلاق.

وبما أن الدين بصبغته الإلهية النقية لم يدخل المعركة، فإن الأوفق أن نسمي ما حدث في الغرب صراعاً بين الكنيسة والعلم، وليس بين الدين والعلم.

ومن المؤسف حقاً أن جناية رجال الدين الأوروبيين -على الحقيقة- كانت أشنع وأنكى من جناية أنصار العلم عليها، وإن كان كل منهما مسئولاً عن النتائج المؤسفة لذلك الصراع، ذلك أن الكنسية ارتكبت خطأين فادحين في آن واحد:

- أحدهما: تحريف حقائق الوحي الإلهي وخلطها بكلام البشر.

- والآخر: فرض الوصاية الطاغية على ما ليس داخلاً في دائرة اختصاصها.

<<  <   >  >>