للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صارفاً لها عن ذلك، كما أن أصحاب النظرية اندفعوا وراء رد الفعل الأهوج، فأنكروا عمل العناية الإلهية وربط الأسباب بالمسببات، معتقدين أن كل ما عرفت علته المباشرة فلا داعي لافتراض تدخل الله فيه حسب تعبيرهم.

فلما جاء نيوتن بنظرية الجاذبية مؤيدة بقانون رياضي مطرد انبهرت عقول الفئات المثقفة واتخذها أعداء الدين سلاحاً قوياً حتى لقد سميت "الثورة النيوتونية" وأحس هؤلاء بنشوة انتصار عظيمة، فقد أمكن تفسير الكون كله بهذا القانون الخارق، كما تأكدت صحة نظريات كوبرنيق وبرونو وجاليلو، وفي الوقت نفسه اهتز موقف الكنيسة وتداعت حججها الواهية أكثر من ذي قبل، ولجأت إلى التعسف والعنف، وهاجم رجالها نيوتن الذي كان مؤمناً بوجود الله، بحجة أنها تفضي إلى إنكار وجود الله، بنفي العناية الإلهية من الكون، وقد ثبت أنهم كانوا على حق في توقعهم هذا، لكنهم كانوا مخطئين في موقفهم من النظرية، فقد ساعد هذا الموقف الخاطئ على الوصول إلى تلك النتيجة الباطلة.

ولا شك أن نظرية نيوتن من أعظم النظريات العلمية أثراً في الحياة الأوروبية، فهي التي وضعت الفكر المادي الغربي، وإليها يعزى الفضل الأكبر في نجاح كل من المذهب العقلي والمذهب الطبيعي، كما أن مذهب الإيمان بإله مع إنكار الوحي والإلحاد ذاته مدانان لهذه النظرية من قريب أو بعيد، على أن هذه الآثار لم تظهر إلا فيما بعد.

أما في القرن السابع عشر فإن النتائج الإيجابية التي أمكن للعلماء أن يُكوِّنوا منها النظرية العلمية المعادية لتعاليم الكنيسة، والتي اشتقت من نظريتي كوبرنيق ونيوتن - هي كما لخصها " برتراندرسل " ثلاث نتائج:

<<  <   >  >>