للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكي يتصرف كما لو كان "إلها" بالفعل، وتعالت أصوات الباحثين والفلاسفة، منادية بأن العقل هو الحكم الوحيد والعقل هو كل شيء، وما عداه فوهم وخرافة، الوحي يخالف العقل فهو أسطورة كاذبة، والمعجزات لا تتفق ومألوف العقل فهي خرافات بالية، والفداء والصلب والرهبانية ... إلخ، كلها أباطيل مضللة وعقائد مرذولة لأنها لا تتسق مع العقل، والصنم الثاني كان "الطبيعة ".

يقول " سول": "صار لزاماً على الذين نبذوا الإيمان بالله كلية أن يبحثوا عن بديل لذلك ووجدوه في الطبيعة" (١).

وكتب الفكر الغربي تسمي ذلك العصر عصر "تأليه الطبيعة " أو عبادة الطبيعة، وليست هذه العبارات مجازاً، بل هي مستعملة على الحقيقة تماماً، فكل صفات الله التي عرفها الناس عن المسيحية نقلها فلاسفة الطبيعة إلى إلههم الجديد، مع فارق كبير بين الإلهين في نظرهم.

فإله الكنيسة بطَّاش حقود يعذب السلالة البشرية ويقتل ابنه لأن الإنسان الأول أكل فاكهة من حديقته.

وهو إله متعنت يضع القيود الاعتباطية على حرية الإنسان ويقيده بالالتزامات، ويفرض عليه الرهبانية والخضوع المذل لممثليه على الأرض.

أما الطبيعة فإلهها "جذاب" رحب الصدر ليس له كنيس ولا التزامات، ولا يستدعي طقوساً ولا صلوات، وكل ما يطالب به الإنسان أن يكون إنساناً طبيعياً يلبي مطالبه الطبيعية في وضوح وصراحة.

والإله الجديد ليس له رجال دين يستعبدون الناس لأنفسهم، ولا كتاب مقدس متناقض ولا أسرار عليا مقدسة، بل له دعاة من أمثال


(١) جورج سول: المذاهب الإقتصادية الكبرى: (٥١).

<<  <   >  >>