استنتج داروين من إفناء الطبيعة للضعفاء لمصلحة بقاء الأقوياء، كما توهم مالتوس، قانونه في التطور المسمى (الانتقاء (أو الانتخاب) الطبيعي وبقاء الأنسب) بواسطته والاستعانة بأبحاث (ليل) الجيولوجية تمكن من صياغة نظرية ميكانيكية للتطور، فعثر أعداء الدين على ضالتهم المنشودة.
وقبل أن نبحث عن الآثار التي خلفتها النظرية في مختلف الحقول والميادين، يحسن بنا أن نقف لنرى مكانها من العلم والحقائق العلمية:
وأول ما ينبغي مراعاته بهذا الشأن هو التفرقة بين جوهر النظرية نفسها وبين الايحاءات الفلسفية والتفسيرات المنبثقة عنها والتطبيقات التعسفية لها، وهى أمور ربما لم تخطر لداروين على بال، كما أنها ليست نظريات علمية، إذ كان الوضع الطبيعي للنظرية حتى في حالة ثبوتها كحقيقة علمية أن تظل محصورة داخل المعمل متجردة عن ذلك كله.
وأول من نقد هذه النظرية علمياً هم العلماء المعاصرون لداروين، وقد مرَّ قول أغاسيز، وأوين قريباً، وانتقدها كذلك العالم الفلكي الشهير (هرشل) ومعظم أساتذة الجامعات في القرن الماضي.
ولنضرب عن هؤلاء صفحاً فربما قيل أنهم هاجموها لأسباب دينية أو عاطفية، ولننظر إلى ما نال هذه النظرية على يد أكثر الداروينيين حماسة وتعصباً.
لقد اضطر أصحاب (الداروينية الحديثة) إلى إجراء سلسلة من التعديلات على النظرية تستحق أن توصف -علمياً- بأنها نظريات جديدة.
فأرغموا على الاعتراف بأن قانون (الانتقاء الطبيعي) قاصر عن تفسير عملية التطور، فأضافوا إليه واستبدلوا به -في الواقع- قانوناً