تحدد نوعية هذه المرحلة، أما خط سير التطور ذاته بمراحله جميعها فهو مضطرب لا يسعى إلى غاية مرسومة أو هدف بعيد؛ لأن (الطبيعة) التي أوجدته غير عاقلة ولا واعية، بل تخبط خبط عشواء!!
عن طريق هذين العنصرين أوحت النظرية بتطور حتمي مطلق لا غاية له ولا حدود، الحتمية تجعل الإيمان بثبات أي شيء وإن كان الدين والقيم أو التقاليد جموداً ورجعية، وكل محاولة للثبات على شيء من ذلك هي معركة خاسرة مع القدر الذي لا يقهر، واضطراب خط التطور يلغي كل المعايير الثابتة المتعارف عليها للحكم على الأشياء، ويستبدل بها معياراً واحداً لا ميزة له في ذاته إلا عدم قبوله صفة التطور وهو (الزمان) فكل عقيدة أو نظام أو خلق هو أفضل وأكمل من غيره ما دام تالياً له في الوجود الزمني.
يقول لوبون:"إن الزمان (إله) لأنه (هو الذي يولد المعتقدات فينميها ثم يميتها ومنه تستمد قوتها وبفعله يتولاها الضعف والانحلال""إن الزمان هو صاحب السيادة الحقيقية فينا، وما علينا إلا أن نتركه يعمل لنرى كل شيء يتحول ويتبدل"(١).
وهكذا آمنت أوروبا بالتطور المطلق، وحسبت كل تغير -وإن كان انتكاسة وانحطاطاً- تطوراً وتقدماً.
فالشيوعية أكبر المذاهب الأرضية وأوسعها انتشاراً تستمد تفسيرها المادي للتاريخ من هذه الفكرة (فكرة التطور الحتمي) فالمجتمع البشرى مر -كما تخيل فلاسفتها- بخمس مراحل حتمية، لكل مرحلة منها عقائدها وأخلاقها وتقاليدها النابعة من الظروف الاقتصادية والأوضاع المادية.