إن التاريخ - على العكس مما توهم لاسكي - ليسجل للأمة الإسلامية إبان تطبيقها الكامل لشريعة الله أزهى عصر عرفته البشرية عدالة ورخاء، وأنصع صفحة من صفحاته على الإطلاق، اللهم إلا إذا كانت البحوث التاريخية التي يقصدها لاسكي هي بحوث المتعصبين الغربيين الحاقدين!
وأما الجهالة العلمية فتبرز في دعوى أن القانون الأمثل هو الذي يضعه الإنسان لنفسه، وليس الذي يضعه له الإله.
وهي دعوى ناشئة لا عن الجهل بمقام الألوهية فحسب، بل عن الجهل الفاضح بحقيقة الإنسان وقصور علمه وعجز إدراكه ومحدودية معرفته، حيث أن في طبيعته وتكوينه من صفات النقص ونواحي الضعف ما يجعله أعجز وأجهل من أن يشرع لنفسه.
وهو مهما اكتشف من نواميس الكون وأسرار الوجود فلن يصبح إلهاً بحال من الأحوال كما يتوهم المغرمون بالعلم، وصفة الحاكمية التي تعني حق التشريع من أخص صفات الألوهية وأوجبها.
والإنسان في كل مرحلة من مراحل وجوده خلق ليعبد الله لا ليعبد نفسه؛ بدليل أنه يجد نفسه محكوماً بسنن ونواميس إلهية لا يستطيع - بالغاً ما بلغ - أن يتجاوز نطاقها.
أما الجانب الإرادي من حياته فإنما أعطاه الله حرية الاختيار فيه ليبتليه أيكفر أم يشكر، وفي ذلك تكريم له ورفع لقدره بين المخلوقات، فإن اتبع فيه شريعة الله حصل له الانسجام مع نفسه ومع الكون كله، وإن اتبع هواه وتمرد على خالقه كان التصادم بينه وبين فطرته