وفى الظلام تارة وعلانية تارة كانت المنظمات التلمودية تضرم الأحقاد، وتؤجج نار العداوة ضد الدين وتدفع الناس دفعاً إلى الإباحية والإلحاد.
والتقت مشاعر الناس وتعلقت عواطفهم بكلمة سحرية خلابة ترمز لمبدأ جديد جذاب اتفق في المناداة به الطبيعيون والنفعيون والجماعيون والفرديون؛ ذلك هو مبدأ الديموقراطية، ومن الذي لا تخلب الديمقراطية لبّه من الشعوب المضطهدة والعقول المغلولة؟! الشعب هو سيد نفسه، وهو مصدر السلطات، ولا وصاية لأحد عليه.
وللمواطن - أياً كانت عقيدته أو جنسيته حريات وحقوق لم يكن ليحلم بها من قبل؛ حرية العمل، حرية التنقل، حق إبداء الرأي، حرية السلوك، حرية العقيدة، حق التظاهر والاحتجاج ...
وله كذلك ضمانات لم تكن - وهو في ظل الإقطاع -لتدور له في خلد: ضمان الاتهام، ضمان التحقيق، ضمانة المحاكمة، ضمانة التنفيذ (١).
كل الناس بهرتهم هذه الشعارات وأسكرتهم هذه الأحلام، فحاولوا بكل جهدهم نسيان ذلك الماضي الرهيب ونبذه بكل قيمه ومثله، وإن كان من بينها الدين والأخلاق، وتحرقوا مشتاقين إلى مستقبل باهر وضاء، وطغى على الفكر والأدب اتجاه مغرق في التفاؤل واثق ثقة مطلقة في السعادة والتقدم اللذين لا حد لهما.
وكان هنالك - بطبيعة الحال - فئة واحدة فقط تدرك النهاية الحقيقية والمغزى العميق للعملية، هذه الفئة هي طبقة الرأسمالية
(١) حول مولد الديمقراطية ومبادئها يراجع جاهلية القرن العشرين فصل في السياسة.