وإذا حاولنا تحديد النظرية العامة للكنيسة إجمالاً - مع استثناء مسألة الربا وملحقاتها - فإن أقرب وصف يفي بالمراد هو أنها نظرية طبيعية إقطاعية، ومن اليسير إدراك أن هذه النظرية لم يكن لها منهج مستقل، بل كانت تستمد من الأسس الأخلاقية العامة.
صورة مجملة لنظام الإقطاع:
إن النظام الذي هيمن على الحياة الأوروبية طوال القرون الوسطى، وعاصر شباب المسيحية، وشكَّل بالاندماج معها ملامح القارة الأوروبية آنذاك هو نظام الإقطاع، ونظام الإقطاع الأوروبي يأتي في طليعة الأنظمة الجاهلية التي لا ينفك عنها الظلم، ولا ينفصم عنها الطغيان، والإنسان في ظله مسلوب الإرادة مهدر الكرامة ضائع الحقوق.
والواقع أن الدول التي تتكون منها القارة الأوروبية لم تكن في الحقيقة إلا مجموعة من الإقطاعيات تخضع لملك أو إمبراطور مركزي، جل همه أن يحصل على الضرائب والجنود من السيد مالك الإقطاعية، أما داخل الإقطاعية فكانت تبرز الصورة البشعة للنظام الإقطاعي.
ومع ملاحظة أن هذا النظام تختلف صوره باختلاف العصور والأقاليم، فإن ملامحه العامة وجوهره الموحد يمكن أن يحصرا في تقسيم المجتمع طبقتين: إحداهما في قمة الترف، والأخرى في حضيض العوز، وكل طبقة تتألف من طائفتين، فالطبقة العليا هي طائفتا السادة الملاك ورجال الكنيسة، والطبقة الدنيا: هي طائفتا العبيد ورقيق المجتمع، ومن هذه الأخيرة صغار القساوسة والزهاد من رجال الكنيسة.