أصبح كل شيء موضع التساؤل والشك، وعلى ذلك سمي العلم فلسفة، ولم يعد هناك تمييز بين الميادين التي عني كل منهما بفحصه، وأخذ الكتَّاب والمتفلسفون يعيدون البحث في النظم البشرية تماماً كما كانوا يفعلون بالنسبة إلى الأشياء غير البشرية، وهم في تصرفهم هذا كانوا يسلمون بأن الإنسان جزء من الطبيعة، وليس كائناً منفصلاً عن بقية المخلوقات؛ أوجدته العناية الإلهية وتولت رعايته.
وأصبح البحث ينصب على تفسير النتائج والأسباب بالنسبة إلى السلوك البشري -سواء أكان مرغوباً فيها أم غير مرغوب- عن طريق قوانين الطبيعة بدلاً من البحث عنها في إرادة الله، كما قالت الكتب المقدسة أو المذاهب الكنسية، ومعنى هذا - بتعبير آخر - أن علينا أن نسترشد في أعمالنا وتصرفاتنا بالعقل دون سلطة القدامى وآرائهم " (١).
إذن فقد كان عصر التنوير يرفض بصراحة الحكم بما أنزل الله، والرجوع إلى الله في تنظيم حياته العامة، أو على الأقل كان كما يقول بعض فلاسفته: يريد الرجوع تحت اسم مستعار هو الطبيعة، ومن طريق آخر غير طريق الوحي والكنيسة، وهو القانون الطبيعي.
أما أثر هذا المذهب على الاقتصاد فيوضحه سول بقوله: "سيطرت فكرة الآخرة على المذاهب السائدة خلال العصور الوسطى، وإن لم تسيطر على العادات والتقاليد، فالمجال الدنيوي بما